Site icon IMLebanon

رأس سليماني… والسيناريو الخيالي؟!

كتب طوني ابي نجم في “نداء الوطن”:

 

لم يكن أحد ليتصوّر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المتخصص بالصفقات وليس بالحروب، قد يقدم على إعطاء الأمر للجيش الأميركي بتنفيذ عملية اغتيال الرجل الثاني عملياً في إيران، ومخطط ومنفذ عملية تصدير الثورة الخمينية، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني!

لا، ليس دونالد ترامب من يتخذ مثل هذا القرار الهجومي، وخصوصاً أن ترامب نفسه كان عزل مستشار الأمن القومي جون بولتون بسبب توجهات الأخير العدائية تجاه إيران ودعواته المتكررة لضربها. لا يمكن فصل قرار ترامب باغتيال سليماني عن مسار المفاوضات من تحت الطاولة القائم منذ مدة بين واشنطن وطهران عبر قنوات سرية وعلنية تبدأ في سويسرا ولا تنتهي في سلطنة عمان، والتي أنتجت قبل أسابيع تبادلاً لأسيرين بين نظام الملالي و”الشيطان الأكبر” الأميركي!

ليس دونالد ترامب الذي دخل سنة انتخابات تجديد ولايته الرئاسية من يغامر بخوض حرب مع إيران قد تهدد فوزه المرجح في الانتخابات المقررة في تشرين الثاني المقبل. وبالتالي نصبح أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما أن تقديرات مجلس الأمن القومي الأميركي ووكالة الاستخبارات المركزية أكدت أن إيران وأتباعها لن يقوموا بأي ردّ يُذكر على اغتيال سليماني وبالتالي لا مشكلة في اغتياله، وإما أن عملية الاغتيال كانت منسقة بشكل أو بآخر مع طهران، تماماً كما أتى الرد الإيراني الهزيل والمثير للسخرية منسقاً مع الأميركيين الذين كانوا أخلوا القاعدتين العسكريتين قبيل تنفيذ الضربة.

سيناريو التنسيق الأميركي- الإيراني لاغتيال سليماني خيالي؟ ليس بالضرورة على الإطلاق لمن يُدرك بأن سليماني كان يشكل العقبة الأكبر في طهران وخارجها أمام التضحيات الإيرانية المطلوبة أميركياً، وتحديداً في ملفات محددة، وهي: النووي، الباليستي، وملف أذرع إيران في الخارج والتي كانت بقيادة سليماني.

لا تسعى واشنطن على الإطلاق لإسقاط نظام الملالي في طهران، لأن بقاءه مفيد بالنسبة إليها للحفاظ على توازن يؤمن لها استمرار صفقات بيع الأسلحة إلى الدول العربية المواجهة لإيران. لكن واشنطن التي تسعى لتطبيق “صفقة القرن” تحتاج للانتهاء من التمدد الإيراني خارج حدود الدولة الفارسية، عبر الانتهاء من كل الميليشيات الشيعية التي تنشر الفوضى والبلبلة في الدول العربية لتأمين الاستقرار المطلوب على المدى الطويل. لم تكن تستطيع إيران تقديم التنازل في الملف الثالث الذي كان تحت قيادة سليماني من دون إزاحة الأخير، وإزاحته داخليا كانت مستحيلة بفعل نفوذه الكبير، ما يجعل سيناريو تقديم رأسه للأميركيين على طبق من ذهب يخدم أكثر من مصلحة:

ـ أولاً، ما حصل يشكل هدية إيرانية لدونالد ترامب عشية انطلاق سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية لإظهاره على أنه بطل غير مسبوق أميركياً تمكن من الانتقام لجميع الأميركيين الذين سقطوا على يد الحرس الثوري منذ تفجير مقر المارينز والسفارة الأميركية في بيروت في العام 1983، وقد غمز ترامب إلى الموضوع في خطاب إعلان تبني اغتيال سليماني بالإعلان عن 52 هدفاً أعدها لضرب إيران في حال قتلت أميركياً واحداً، وذلك انتقاماً للأميركيين الـ52 الذين احتجزوا في السفارة الأميركية في طهران بعد الثورة الخمينية، مضيفاً عن الإطاحة بسليماني: “كان يجب علينا أن نفعلها منذ زمن”!

ـ ثانياً، اغتيال سليماني يسهّل عودة إيران إلى طاولة المفاوضات مع تلبية المطالب الأميركية تحت شعار أنها باتت تحت ضغط كبير، وقد بدأ المرشد الأعلى السيد علي خامنئي يمهّد لذلك بالإعلان أن “الولايات المتحدة تحاول التخلص من “حزب الله” اللبناني لمساعدة إسرائيل”.

ـ ثالثاً، يؤمن لإيران رفع العقوبات عنها بعدما وصلت إلى حافة الانهيار الشامل وتعاني من قابلية لانفجار الأوضاع اجتماعياً ما بات يهدد نظامها من الداخل.

السيناريو أعلاه قد يكون خرافياً وليس فقط خيالياً، لكنه سيناريو يستحق التوقف عنده. مشكلته الكارثية بالنسبة إلينا كلبنانيين أن الإطاحة بـ”حزب الله”، الذراع الأقوى للحرس الثوري، والتي أشار إليها السيد خامنئي، قد تكون الثمن الأغلى المطلوب في حال لم يُحسن “الحزب” قراءة ما جرى ويجري. حمى الله لبنان واللبنانيين من أثمان المفاوضات المرتقبة!