Site icon IMLebanon

واشنطن وطهران لا تُقفِلان طريق العودة

كتب جوني منير في “الجمهورية”:

 

إختارت ايران ان تنفّذ ضربتها الثأرية في التوقيت نفسه الذي اغتيل فيه قائدها الأبرز قاسم سليماني. رمزية التوقيت لم تكن الرسالة الوحيدة، ذلك انّ القيادة الإيرانية اختارت الردّ المباشر على قواعد الجيش الاميركي في العراق للمرة الاولى منذ احتلاله لهذا البلد. وهي استَبَقت ذلك ببيان قالت فيه صراحة إنّها ستنفّذ بنفسها ومباشرة ضربتها «الثأرية»، واتبعت ذلك بإطلاق صواريخها البالستية، وهو السلاح الذي يعطي الجيش الايراني ورقة تفوّق.

وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف اعتبر انّ ردّ طهران على اغتيال سليماني انتهى. وأضاف في تغريدة له: «قصفنا القاعدة التي انطلقت منها الطائرة التي استهدفت سليماني». وتلاه وزير الدفاع الإيراني، الذي اعتبر انّ الضربة التالية تتوقف على ردّ واشنطن على الضربة الاولى.

هذان الموقفان لا يتعارضان مع ما قاله ايضاً مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي، ولو انّه أضاف جديداً فقال: «لقد وجّهنا صفعة قوية للاميركيين انتقاماً لاغتيال سليماني». لكنه اضاف، أنّ الإجراءات العسكرية لا تكفي للثأر، بل يجب إنهاء الوجود الاميركي في المنطقة. وعليه فإنّ الانتقام لم ينتهِ.

الواضح أنّ خامنئي يتحدث عن مرحلة ثانية لن تنفذها ايران مباشرة. هو كان على الارجح يلمّح الى «حرب الاشباح» التي توشك ان تبدأ من خلال المجموعات المتحالفة مع ايران على الاراضي العراقية ضد الجيش الاميركي، وهو ما اشار اليه قائد الفصيل العراقي المسلح، من أنّ الرد الايراني الأول حصل والآن وقت الردّ العراقي، ولن يكون أقل حجماً من الردّ الايراني. ومع هذا الموقف تصبح الصورة المستقبلية أوضح، فالأرجح انّ الهجمات على المواقع والدوريات الاميركية ستعود مجدداً.

على الضفة الاخرى، بدا الرئيس الاميركي دونالد ترامب راضياً. فالضربة الصاروخية التي شكّلت تعويضاً معنوياً كبيراً لإيران، قبلت بها واشنطن بعد ان اقتصرت الخسائر على الماديات وليس على الارواح، وهو ما يهمّ حملة ترامب الانتخابية.

فعقب اغتيال سليماني ورفاقه، والتهديدات التي صدرت عن طهران، وضعت واشنطن كافة سفاراتها في المنطقة في حال التأهّب القصوى، إضافة الى المواقع والقواعد العسكرية الاميركية.

وسمحت التقنية العسكرية الاميركية، من خلال وسائل الرصد الفضائي، من معرفة المكان المُستهدف فور إطلاق الصواريخ. ولا شك في أنّ الايرانيين كانوا يعرفون قدرة الرصد العسكرية الاميركية. وهو ما يعني انّ طهران تدرك جيداً انّها لا تريد الذهاب بعيداً والانزلاق في اتجاه حرب مباشرة في حال سقوط اعداد كبيرة من الإصابات ستضع الشارع الاميركي في مزاج آخر.

ورغم التهديد والوعيد الذي مارسه ترامب قبل الضربة، الّا انّ خبراء السياسة الاميركية كانوا ينقلون همساً، أنّ ادارته ستتجاوز الضربة الانتقامية لإيران، شرط ان لا تشكّل برنامجاً كاملا ومتسلسلاً ومتواصلاً.

اما «حرب الاشباح» التي توشك ان تبدأ فمسألة أخرى، وحساباتها مختلفة. قبل ذلك ايضاً لوّحت واشنطن ببدء انسحاب قواتها من العراق، واتبعت ذلك بشيء مماثل يطاول قواتها في الكويت. وفي كلا الحالتين، كانت وزارة الدفاع الاميركية تعمد الى اصدار نفي رسمي.

وفي الحقيقة، إنّ هذا التلويح الاميركي كان موجّهاً للدول العربية المناهضة لإيران. ومضمون هذه الرسائل أنّ عليها ان تتحمّل تكاليف بقاء الجيش الاميركي في العراق والخليج أكان مادياً أو حتى معنوياً.

وفي الوقت نفسه كانت ايران تتخذ مواقف تصعيدية، منها ما يتعلق بمضيها قدماً في برنامج تخصيب اليورانيوم بلا قيود، ومنها من خلال حلفائها في العراق داخل البرلمان، عبر إصدار قرار يقضي بطرد الجنود الاميركيين من الاراضي العراقية.

لكن ثمة جوانب مرنة واكبت هذين القرارين لا بدّ من التوقف عندها، ومنها جانبان:

ـ الاول، حول قرار المضي قدماً في برنامج تخصيب اليورانيوم بلا قيود. إذ تضمن ايضاً انّه يمكن عودة طهران الى التزاماتها السابقة اذا رفعت واشنطن العقوبات المفروضة. ولا بدّ من الاشارة الى انّ ايران لم تقطع حتى الساعة، ورغم كل ما حصل، علاقتها مع مفتشي الامم المتحدة الذين يتولون مراقبة انشطتها النووية. ما يعني انّ كل خطوة ستتخذها ستكون خاضعة للفحص أقلّه حتى الآن، وهو ما تتمسّك به اوروبا وتتابعه واشنطن.

ـ الثاني، هو المتعلق بتصويت البرلمان العراقي، والذي لم يكن ملزماً للحكومة. ومعه فإنّ تهويل ترامب بفرض عقوبات على العراق، عقاباً على قرار البرلمان العراقي، من المستحيل فرضه في ظل الواقع الحالي، لأنّه سيمسّ بالمصالح الاميركية الكبيرة في العراق. وهو ما يعني انّ التهويل الاميركي غير قابل للصرف.

صحيح انّ تحدّيات أمنية صعبة ستواجه الجيش الاميركي في العراق، وربما في ساحات اخرى، إلاّ انّ ذلك لن يدفع في اتجاه نسف المعادلة القائمة، والّا لكانت طهران استهدفت بصواريخها قطعاً بحرية عسكرية اميركية قرب مضيق هرمز، حيث تكون عندها الحصيلة كارثية وتأخذ المواجهة الى حسابات اخرى. وهو ما يعني انّه على رغم خطورة ما حصل وما قد يحصل مستقبلاً، فإنّ الطرفين يحرصان على ترك خطوط الرجعة سالكة لمفاوضات لاحقاً عندما تسمح الظروف، وتحرّك وزير الخارجية العماني الفوري يندرج في هذا المناخ، ولو انّ المسؤولين الايرانيين رفضوا لقاءه والاستماع اليه، وهذا طبيعي، فالأجواء مشحونة وقاسم سليماني لم يكن قد دُفِن بعد. وربما لا بدّ من الانتظار بضعة أشهر لإعادة تحريك المياه الراكدة وفي انتظار أحداث تدفع الامور الى الامام.

وفي جنوب لبنان، رُفعت لافتة كبيرة قرب الحدود عليها صورة قاسم سليماني وكُتب عليها: «دام رُعبُه سنحمل رايته في الساحات والميادين والجبهات». وفحوى الرسالة، انّ اغتيال سليماني لن يؤدي الى التخفيف من هلع اسرائيل. ورُفعت قرب تلك اللافتة صورة القائد الجديد لفيلق القدس اسماعيل قاآني.

من جهتها، اسرائيل التي قرأت كل هذه الاشارات، عادت وتراجعت خطوة الى الوراء، بعد ان كان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو قد ادلى بمواقف هجومية.

لأجل كل هذه الصورة الاقليمية بدا «حزب الله» مستاءً من الحسابات الداخلية الضيّقة، والتي تؤدي الى التأخير في ولادة الحكومة. هو يريد التفرّغ للعبة الاقليمية الكبيرة والدقيقة والخطرة، من دون إقفال خطوط الرجعة أو دفع الامور في لبنان الى مواجهة مع العواصم الغربية، فيما البعض يدفعها في اتجاهات مجهولة، فقط في إطار لعبة المحاصصة الضيّقة أو حتى للعودة الى الحكومة من خلال صيغة التكنوسياسية التي تعني حتماً مواجهة مفتوحة مع الخارج.

ولذلك، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الرئيس سعد الحريري الى إعادة تفعيل الحكومة المستقيلة. وكأن البعض لم يتعلّم شيئاً من مرحلة ما بعد 17 تشرين الاول.