تقرير لكمال قبيسي في “العربية”:
لو بحثت في الإنترنت عن مذكرات نشرتها المطربة اللبنانية صباح في مجلة “الشبكة” اللبنانية بالماضي، لعلمت من حلقتها العاشرة، أن لبنانياً اسمه جورج غصن، حرمها من أحدهم كان مهووسا بحبها، وكان يمكن أن يتزوجها، مع أن اللبناني بولس مسعد كان راعيا في خمسينات القرن الماضي بأبرشية في القاهرة كانت صباح تتردد عليها، إلا أن جورج غصن قتله في 1960 بلبنان بعد خلاف بين الاثنين، فاعتقلوه وحكموا عليه بالإعدام، ثم خففوه إلى 15 سنة سجنا، وبعدها عاش غصن في البرازيل، حيث توفي في 2006 ودفنوه في مقبرة بمدينة ريو دي جنيرو، وترك أرملة و4 أبناء.. أحدهم هو الشهير كارلوس غصن.
قالت صباح في الحلقة العاشرة، إنها كانت تتردد على الأبرشية في حي شبرا بالقاهرة “وكان أحد رعاتها المرحوم الأب بولس مسعد الذي قتل في 1960 على طريق “مجدل” بلبنان، واتهموا بقتله كلا من الصيرفي جورج غصن وسليم عبد الخالق”، وقالت إنها أصبحت تستعذب لقاءه، مع ذلك أخبرته أن في حبه صعوبة “فعصر قلب أبونا العذاب، وطلب نقله من القاهرة للبنان، وكنت أتصور كل شيء في هذه الحياة إلا أن أغيب عنه 15 سنة، فأعود لأجده مقتولا على درب مهجور في إحدى قرى لبنان” وفق روايتها.
وبعد 60 سنة تقريبا، تذكر مجلة Le Nouvel Observateur المعروفة في فرنسا بأحرف L’Obs اختصارا، أن مراسلها في اليابان، ريجي أرنو، أجرى تحقيقا حول مقتل ذلك الراهب في لبنان، سيضمه إلى كتاب يصدره في 5 فبراير المقبل باسم “الهارب” عن كارلوس غصن، ويتحدث في فصل منه عن قاتله والد الرئيس السابق لتحالف نيسان- رينو، مستندا إلى ما ذكرته صحيفةL’orient الصادرة في الستينات بالفرنسية في بيروت عن الجريمة، مع أن “العربية.نت” وجدت الكثير عنها في تحقيق قديم نشره الصحافي أياد موصلي، ثم ضمه في 2015 إلى كتاب أصدره بعنوان “سيفنا هو القلم” عن الصحافة والصحافيين، وفيه يتحدث عنها وعما حدث لجورج غصن، من دون أن يتطرق في الكتاب إلى ابنه كارلوس.
كان كارلوس غصن، ولا يزال، يتجنب الحديث دائما عن أبيه، ويكثر الحديث عن جده، وفي كتاب أصدره عن نفسه باسم “مواطن من العالم” يذكر أن والده عاش في البرازيل “وكان يجني الكثير من المال لينقل عائلته إلى دولة أخرى، حيث التعليم جيد وظروف الحياة أسهل”. إلا أن الحقيقة مختلفة في الواقع، لأن والده كان سجينا حتى 1975 في لبنان، عن جريمة ارتكبها في إبريل 1960 حين كان عمره 37 تقريبا، فيما كان عمر ابنه كارلوس 6 أعوام فقط.
وقتله بالرصاص في مصيف بالجبل
كان العنوان الذي وضعته “لوريون” الفرنسية اللغة في بيروت عن الجريمة: “جثة صوفر الغامضة لراهب مُهرّب… توقيف 5 متورطين بينهم جورج غصن” مشيرة بكلمة صوفر، إلى مصيف جبلي عثروا فيه على القسيس بولس مسعد قتيلا، وكتبت الصحيفة وقتها أنه “كان بمساعدة شركاء، بينهم الصراف جورج غصن، مختصاً بتهريب الماس والذهب والعملات الصعبة والمخدرات” وأن مقتله كان في 17 إبريل 1960 رمياً بالرصاص “فاعتقلوا جورج غصن بعد 3 أيام، وقال للمحققين إن العملية “كانت محاولة تخويف انتهت بطريقة سيئة” فنقلوه إلى “سجن بعبدا” حيث بدأ منذ وصوله “بتوزيع الرشى على حراس السجن، متذرعا أنه أشفق لحالهم، بحسب ما زعم لقاضي التحقيق.
ذكروا في الصحف اللبنانية عن جورج غصن أيضا “أنه أصبح راعي السجن، ويقضي نهاره خارجه ويبيت فيه بحكم قضائي، وغالبا ما كان السجناء والحراس يقيمون حفلات في وكر قمار غير بعيد (..) وكان يستخدم في صمت أمواله لتدبير عملية هروبه التي تمت فجر 4 أغسطس ذلك العام، حيث تمكن 11 من أفراد عصابته من الهرب، بينهم شريك له بعملية القتل، وفقا لما تلخص “العربية.نت” مما نقلته “القبس” الكويتية أمس من رواية L’orient ذلك الوقت، وهي الرواية التي سترد في الكتاب الموعود بعد أقل من شهر بالصدور.
وانتهز الحرب الأهلية فغادر الى البرازيل
ولم يهرب جورج غصن مع الفارين الذين اعتقلتهم الشرطة فيما بعد، فاعترف أحدهم بأنه ومن فر معه “حاولوا اغتيال النائب العام وقاضي التحقيق ورئيس محكمة الجنايات في بعبدا بتحريض من جورج غصن”، لذلك حكموا على غصن في 9 يناير 1961 بالإعدام، وأقفلوا التحقيق الذي ظهر منه أن غصن، تعرف قبل 20 سنة إلى القسيس مسعد في العاصمة النيجيرية، لاغوس، وأعطاه قسما من أرباح شبكة تهريب كان يديرها، إلا أن شهية القسيس على الربح زادت كشراهته، فحاول خداع شريكه، إلى درجة دفعت الأخير لاغتياله، ثم خففوا حكم الإعدام على غصن إلى السجن 15 عاما، فغادر محبسه في 1970 لحسن سلوكه، لكنهم اعتقلوه بعد 4 أشهر.
كان يحمل عند اعتقاله 34 ألف دولار مزورة، واكتشفوا بعد التحقيق معه أنه تمكن من بيع مليون دولار مزورة أيضا، لذلك واجه السجن 15 عاما من جديد، فحاول الانتحار بقطع شرايين معصمه بقطعة ألمنيوم خلعها من أبواب السجن الذي أمضى فيه 3 أعوام، ثم تمكن جورج غصن الذي لم تجد “العربية.نت” أي صورة له من مغادرة بيروت إلى البرازيل، منتهزا في بدايات 1975 فرصة الفوضى التي عمّت لبنان في الحرب الأهلية، وأقام في مدينة ريو دي جنيرو، وفيها غاب في 2006 عن الدنيا.