كتب جوزف طوق في صحيفة “الجمهورية”:
واحدة من أكثر المقولات الشعبية التي يمكن أن تنطبق حرفياً على الدولة اللبنانية في هذه الأيام، مقولة «غاشي وماشي»… مع فارق بسيط، هي أنّ دولتنا «غاشية بس مش ماشية».
دولتنا الغاشية، برؤسائها وزعمائها ومسؤوليها ووزرائها ونوّابها، لا تملك أدنى فكرة عن معنى الوطن، لا تفهم شيئاً بإدارته، ولا تمتلك الذكاء الكافي للانتباه إلى بديهيات الكارثة الواقعين فيها.
دولتنا الغاشية، سياسيوها والمطبّلون لهم يتنططون من شاشة إلى شاشة، ومن صفحة جريدة إلى أخرى، يتبكبكون ويتمسكنون ويتغنّجون. ومن ثم، وبكلّ سفالة ووقاحة، يتحجّجون بأنّ الآخرين لم يسمحوا لهم بالعمل، ومنعوهم من محاربة الفساد وفكّ الطوق عن رقبة القضاء ومحاسبة السارقين واسترداد الأموال والأملاك المنهوبة… الآخرون ضربوهم على أيديهم ولم يسمحوا لهم بتحويل لبنان إلى دولة اسكندينافية بالحقوق، ودولة أميركية بالجبروت، وصينية بالاقتصاد، وأوروبية بالشفافية.
دولتنا الغاشية، المسؤولون فيها يتبارزون على حقوق الله والرسل والأنبياء والقديسين، وبرصاصات حرّاسهم الشخصيين يدافعون عن حجارة جدران الجوامع والكنائس ومقرّات أحزابهم المقدّسة. المسؤولون فيها منهمكون بالحروب المقدّسة لدرجة أنهم لا يجدون الوقت لأي شيء آخر… وكأنهم مترفّعون عن الأمور الدنيوية وداخلون في نشوة دينية تعمي بصرهم وبصيرتهم.
دولتنا الغاشية، شعبك تعب من رفع يديه إلى السماء طلباً للماء والكهرباء وقليل من الحقوق التي حصل عليها الحيوان في بلاد الأرض. شعبك لم يعد يجد وقتاً لطلب الرحمة من الله لأنه مشغول بإبعاد شبح الموت عن أولاده، وبإبعاد أنياب الفقر عن جيوبه، وبراثن أبواب المستشفيات عن عزّة نفسه.
دولتنا الغاشية، إذا سمحت الظروف وتمكّنت من التواصل مع هؤلاء المسؤولين المتنسّكين في صوامع القداسة، أخبريهم أنّ لبنان يحتضر من كثرة تقواهم وإيمانهم وتفانيهم في سبيله.
أخبريهم أنّ الكهرباء في لبنان معدومة، والمياه مقطوعة، والطرقات غير سالكة ساحلاً وجبلاً، والتجّار تحوّلوا جزّارين، والصرّافين قياصرة، والمصارف باتت وحوشاً بفمٍ بلا مؤخرة، والدولار يَتمختر على جثة الليرة اللبنانية.
أخبريهم لو سمحت، أنّ الأدوية والمعدّات الطبيّة باتت مقطوعة، مثلها مثل الحبوب والمواد الغذائية، والمرتبات انخفضت إلى النصف، والعمّال يتمّ تسريحهم من وظائفهم تعسّفياً… رجاء أخبريهم أنّ اللبناني، وبسببهم، قد كفر بهذا الوطن الذي يُمعن في إذلاله منذ أكثر من 40 سنة… فيا ليت يخفّفون تزمّتاً طائفياً ويتنازلون قليلاً عن أدوارهم الدينية ليلتفتوا إلى تزفيت جورة تكسر سيارات ما عدنا قادرين على إصلاحها.
دولتنا، نفهم أنك غاشية، لكنك لماذا لست ماشية؟… بالله عليكِ، كيف ستمشين إذا كان الجميع يجلسون على الكراسي ولا تطأ أقدامهم الأرض؟
دولتنا غاشية ومش ماشية، لأنّ كل قبطان فيها يدير الدفّة حسب رغبته أو رغبة الدولة المحسوب عليها.
مش ماشية، لأنّ الجميع يريد مصلحة الوطن وحقوق المواطن، ولكن بعد أن يأكل أكبر قضمة من قالب الجبنة.
مش ماشية، لأنّ الأكثرية سياسيون، وفي الحزّات تقنيون، وفي الويلات تكنوقراط، وفي أفضل الأحوال سماسرة، يتاجرون بدمائنا وعرقنا وأحلامنا لشراء الرضى من المحاور الإقليمية والغربية… يَعدوننا كالحمامة بتشكيل حكومة لإنقاذ البلد ومن ثم يغيبون كالغراب.
لكن يا دولتنا الغاشية، عندما أردنا شراء أحلام أعطيتنا 200 دولار بالأسبوع، وعندما أردنا أن نتدفّى أعطيتنا الكهرباء ساعتين في اليوم، وعندما عطشنا قطعت عنّا المياه… وأنت وغاشية، كثير من اللبنانيين باتوا واعين ويعلمون أنّ الأوطان لا تسير على أرجل الكراسي، بل على أقدام الأحرار المنتفضين في الشوارع.