كتب غاصب المختار في صحيفة “اللواء”:
لم يكن كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري مفاجئأ للرئيس المكلف تشكيل الحكومة الدكتور حسان دياب، بموقفه الداعي الى «حكومة لم الشمل»، بمعنى تشكيل حكومة وحدة وطنية إن أمكن، من أجل معالجة نتائج الأزمات الداخلية والإقليمية بالاشتراك مع كل أو اغلب القوى السياسية، إذ كان هذا رأيه منذ التكليف، وهو ابلغه ايضا للرئيس ميشال عون. ولعل تريثه في تسليم اسماء الوزراء المقترحة من كتلته النيابية يعود الى عدم اعتماد معايير موحدة في التشكيل، وهو ينتظر الاتفاق على نوعية الوزراء ليُسقط الاسماء على الحقائب التي باتت مكتوبة لكتلته النيابية.
لكن الرئيس دياب يعتصم بالصمت في عملية تدوير الزوايا الصعبة التي يقوم بها لتشكيل الحكومة. وحسب مقربين من الرئيس دياب فهو يتحلى بصلابة قوية وصلت به الى تأكيد عدم الاعتذار مهما تعقدت أمور التشكيل، علماً ان الحديث عن العُقد الجاري معالجتها مبالغ فيه، بحيث أن معظم التشكيلة الحكومية باتت جاهزة، وخلافاً لما يتردد لم تعد عملية التشكيل إلى نقطة الصفر، بل إن التفاصيل الباقية باتت قريبة الحل.
وفي السياق، الرئيس دياب أسقط محاولات فرض أمور معينة عليه منذ بداية الطريق، وهو حسب مصادره متمسك بمعاييره وثوابته الثلاثة المبدئية: لا اعتذار وحكومة اختصاصيين ومن 18 وزيراً، اضافة الى انه لم يتبلغ من اي طرف اي موقف يناقض ما سبق وتم الاتفاق عليه عند التكليف. بينما كلام الرئيس بري لا يؤخر عملية التشكيل، بل لعله محاولة تسهيل بضم اكبر قدر ممكن من القوى السياسية لضمان ثقة نيابية كبيرة ودعم كبير للحكومة.
لكن الموقف المعين ايضاً للرئيس دياب، جاء عبر كلام رئيس المكتب السياسي لحزب الله السيد ابراهيم امين السيد، بعد زيارة معايدة للبطريرك بشارة الراعي، حيث نفى كل ما تردد عن طلب تغيير شكل الحكومة او تغيير اسماء وزراء الثنائي الشيعي. وقال: نحن نستمرّ في تذليل العقبات والتعقيدات للوصول الى حكومة في أسرع وقت ممكن، ولا توجّه الى تشكيل حكومة مواجهة، فكيف تكون حكومة انقاذية ومواجهة في الوقت نفسه؟ والمطلوب أن يشارك الجميع فيها لأن إنقاذ البلد مسؤولية الجميع. ويتوافق عليها الجميع وإذا كان ما يتّفق عليه الجميع هي حكومة تكنوقراط فنحن نقدّم كل التسهيلات على هذا الصعيد، والمهمّ لدينا أن تطرح الحكومة برنامجها الانقاذي ولا نعرقل التشكيل.
وجاء موقف السيد لينفي المعلومات التي كانت قد ذكرت ان الثنائي الشيعي يعارض تشكيل حكومة تكنوقراط صافية في هذا الظرف الاقليمي المتفجر، ويطرح العودة الى حكومة تكنو- سياسية. ولكن ليؤكد أيضاً ان موقف الثنائي لا زال يتمثل بضرورة إشراك كل القوى السياسية في الحكومة اذا امكن.
ولعل هذا الموقف يريح الرئيس المكلف حسان دياب ويدفعه الى رفع التشكيلة التي يقترحها الى رئيس الجمهورية ميشال عون في اقرب فرصة، بعد الخروج من ازمة المعايير التي وضعها بعدم توزير وزراء سابقين لكنه استثنى دميانوس قطار.
ولعل هذا الامر دفع التيار الوطني الحر الى اعلان تمسكه بحكومة اختصاصيين لكن ضمن وحدة المعايير في التشكيل، حيث نفت مصادره ما تردد عن عودته عن قرار حكومة الاختصاصيين، وعبّرَ عن ذلك امس، امين سر تكتل لبنان القوي النائب ابراهيم كنعان.
ويبقى معرفة كيفية معالجة الرئيس دياب لمسألة التمثيل الدرزي، فيما بات الكاثوليك يطالبون ايضاً بحقيبة معقولة اسوة بالحصة الدرزية وهي وزير واحد، وأي حقائب ستسند للوزير المقترح لكل منهما وهي مسألة ما زالت قيد العلاج.
بالتوازي فإن الوضع الاقليمي لا يزال ضمن الحد المعقول بعد فرملة التصعيد العسكري المباشر والسريع بين ايران والولايات المتحدة الاميركية، وعدم الرد على الضربة الصاروخية الايرانية لقاعدة «عين الاسد» التي تتمركز فيها قوات اميركية كبيرة في العراق. ولعل التدخل الروسي – ومن الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً – هنا قد ساهم في فرملة امتداد الحريق من الخليج الى المشرق العربي، اي الى سوريا ولبنان، حيث تردد انه نصح القيادة السورية بالتهدئة وعدم الدخول في الصراع المباشر الاميركي – الايراني، ربما لأنه كان يدرك ان سقفه العودة الى التهدئة وفتح الباب مجدداً امام نوع من التفاوض أو على الأقل التريث لحين ترقب الخطوات المقبلة من الخصمين.
على هذا، لم تبقَ امام الرئيس دياب مسافات كبيرة يقطعها ليصل الى إعلان تشكيلته الحكومية، في حال صدقت نوايا القوى السياسية المعلنة بالتسهيل، وفي حال تم اعتماد المعايير الموحدة، لكن تبقى مبهمة مسألة برنامج الحكومة الانقاذي والاصلاحي، وتوافر الغطاء السنّي الشرعي السياسي والديني للرئيس وللحكومة، وموقف الرئيس سعد الحريري وكتلته النيابية بالتحديد، ولو اتخذ خيار المعارضة البرلمانية مع القوى الاخرى المعارضة والتي رفضت الانخراط في الحكومة. اما موقف الشارع فله حساب آخر في وقته، سواء تمثل الحراك الشعبي ام لم يتم يتمثل.