رجّحت أوساط سياسية لبنانية وجود ميل لدى حزب الله وحركة أمل للإطاحة بفكرة حكومة التكنوقراط التي يعمل رئيس الحكومة المكلّف حسّان دياب على تشكيلها، لصالح الذهاب إلى حكومة سياسية، أيّا كان شكلها وطبيعة وزرائها، مستثمرين المخاوف من التوترات الإقليمية في التخلص من فكرة حكومة التكنوقراط وداعميها المحليين والخارجيين.
واعتبرت الأوساط نفسها أن ما دعا إليه زعيم حركة أمل، رئيس مجلس النواب نبيه بري من تشكيل لـ”حكومة لمّ شمل”، يعود بالبلاد، عمليا، إلى تقليد تشكيل حكومة وحدة وطنية، من ضمن مفهوم الديمقراطية التوافقية التي تسود منطق السياسة في البلد.
وذكرت “على الرغم من الأجواء التي يبثها حزب الله عن أنه قابل بأيّ حكومة مهما كان شكلها، إلا أن موقف بري جرى بالتنسيق الكامل مع حزب الله، وهو يعمل للترويج له لدى رئيس الجمهورية ميشال عون كما لدى القوى البرلمانية في البلد”.
وكان رئيس المجلس السياسي في حزب الله إبراهيم أمين السيد قد شدد، إثر لقائه مع وفد من الحزب، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، على “ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة”، مؤكدا أنه “يجب على كل الفرقاء تقديم التسهيلات للإسراع في تشكيلها في أقرب وقت ممكن”.
وقال السيد “إن الأمور التي تمر بها المنطقة بغض النظر عن تفصيلاتها تشكل حافزا آخر للجميع من أجل تشكيل الحكومة”.
وأضاف “ما نعرفه من الجميع أن كل الأطراف الموجودة في لبنان، بدءا من الرئيس المكلف حسان دياب والقوى السياسية الأخرى، حريصة على تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن والكل يبذل جهدا على هذا الصعيد”.
واللافت في هذا الصدد أن مراقبين رأوا أن اتصال بري برئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، الموجود خارج لبنان حالياً، يتسق مع فكرة تشكيل حكومة سياسية يفترض لتيار المستقبل أن يكون حاضرا فيها، دون أن يتم الحسم ما إذا كان الحريري هو من سيكلف بتشكيلها.
وترى أوساط مقربة من بري أنه يدفع باتجاه تفعيل حكومة تصريف الأعمال من جهة ويودّ حضور الحريري لجلسة مجلس النواب التي تناقش موازنة 2020 أواخر يناير الحالي. فيما أكدت أوساط تيار المستقبل حصول التواصل بين بري والحريري، لكنها نفت أن يكون بري قد فاتح الحريري بمسألة الأزمة الحكومية.
ويقول مراقبون إن ما تمر به المنطقة من تحديات واستحقاقات يتطلب وجود حكومة قوية قادرة على اتخاذ القرارات، خصوصا أن ما يرسم للمنطقة من تحولات سياسية كبرى يتطلب التعامل معها بقرارات سياسية تتخذها القوى السياسية، وهو أمر قد يكون معقدا في حال كانت الحكومة غير سياسية أو كانت حكومة تقنية تتولى معالجة الملفات تقنيا دون أيّ سقوف سياسية راعية.
وتلفت مصادر برلمانية إلى أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ما زال متمسكاً بحكومة اختصاصيين متسقا بذلك مع موقفه الذي أعلن فيه رفضه المشاركة في حكومة سياسية برئاسة الحريري، كما أن تجربته الحالية مع الرئيس دياب تتيح له التحكم بمسار الحكومة بعد أن رفض خصومه (القوات اللبنانية، تيار المستقبل، الحزب التقدمي الاشتراكي) المشاركة فيها.
وتضيف أن باسيل هو الذي أقنع عمه رئيس الجمهورية ميشال عون بالقبول بصيغة حكومة تكنوقراط بعد أن كان عون مصراً على الحريري بتشكيل حكومة تكنوسياسية، وبالتالي فإن الانتقال من طور إلى طور في مسألة تشكيل الحكومة سيتطلب “انقلابا” جديدا وتنظيم استشارات نيابية جديدة.
ويهدف تسريب أنباء الاتصالات، التي تجري مع الحريري لحثه على العودة إلى لبنان، إلى ممارسة ضغوط إضافية على دياب للاعتذار، وهو الذي ما زال يكرّر أنه لن يعتذر عن أداء مهمة كلفه بها نواب الأمة.
ويحتاج تشكيل حكومة سياسية أو حكومة اختصاصيين مطعّمة بوزراء سياسيين إلى دفع خارجي لم تظهر معالمه بعد، وأن نشاط السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه وتجواله على القيادات السياسية في البلد في الأيام الأخيرة لم تتضح أهدافه ومراميه حتى الآن.
وذكرت أنباء أن الحريري سيعود إلى لبنان مطلع الأسبوع المقبل، وبالتالي فإن مسألة تشكيل حكومة برئاسة دياب قد تبقى مؤجلة على الرغم من أن أوساط قصر بعبدا تؤكد أن الرئيس عون ما زال ينتظر التشكيلة النهائية التي سيقدمها الرئيس المكلف بعد المشاورات التي قام بها معه في آخر لقاء بينهما وتلك التي قام بها مع بقية الفرقاء السياسيين.
وقد يساعد خطاب أمين عام حزب الله حسن نصرالله الأحد المقبل، بمناسبة مرور أسبوع على مقتل قاسم سليماني، في رسم ملامح المرحلة وبالتالي الكشف عن طبيعة الحكومة التي يراها مناسبة لخططه وأجندته المقبلة.
وأعادت بعض المصادر التذكير بموقف روسيا من مبدأ حكومة تكنوقراط في لبنان، والتي اعتبرها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف “غير واقعية” قبل أسابيع.
وقالت إن ما يخطّط له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالنسبة إلى سوريا وأوحت به زيارته المفاجئة الأخيرة إلى دمشق، يتطلب في لبنان حكومة معروفة الهوية والتوجه ولها طابع سياسي كامل لا لبس فيه، بما يشجع قوى 8 آذار بزعامة حزب الله على إعادة خلط الأوراق وإعادة إنعاش الصفقة الرئاسية التي أتت بعون إلى قصر بعبدا، ولو بصيغ معدلة قد تعيد تعويم سعد الحريري وتكليفه مجددا بتشكيل حكومة تتناسب مع شروط المرحلة.