كتب أكرم حمدان في “نداء الوطن”:
بعد كلامه أمس الأول عن دعوة حكومة تصريف الأعمال لممارسة صلاحيتها كاملة متكاملة، والدعوة إلى تشكيل حكومة تطمئن الناس وتبدّد الهواجس المشروعة، حكومة لمّ شمل وطني جامعة، وبعد تعميم الموقف نفسه من قبل هيئة مكتب مجلس النواب، كرر رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس مواقفه بالإتجاهين وربما أكثر وضوحاً ودقة عندما ذكّر بموقفه المبدئي الذي كان أطلقه إبان الإستشارات النيابية والداعي إلى تشكيل حكومة تكنو – سياسية وتتمثل فيها كل القوى والأطراف بما فيها الحراك.
وجاء كلام بري أمس معطوفاً على جملة من التساؤلات التي تحمل الكثير من المعاني ومنها عما إذا كان الإستقلال يعني اللاإنتماء؟ وتصوير الأحزاب والحزبيين وكأنهم “بعبع”؟ وطرح قواعد جديدة في التشكيل مخالفة للأعراف؟ والإمعان بإصدار أحكام الإعدام بحق الناس إفتراءً وتجريحاً؟
ولم ينسَ توجيه رسالة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بالقول: “مش على خاطرو… إن تصريف الأعمال واجب دستوري يجب القيام به”.
وبناءً على ما تقدم يصبح السؤال مشروعاً عن “القطبة” المخفية التي دفعت ببري إلى إعادة تظهير هذا الموقف من تشكيل الحكومة والتركيز عليه بعدما كانت كل المؤشرات تتحدث عن حكومة الإختصاص والتكنوقراط؟
وضع المنطقة
أكد بري خلال دردشة مع الإعلاميين أن “الوضع في المنطقة غير جيد على الإطلاق وأن الوضع في لبنان للأسف يتدحرج من سيئ إلى أسوأ وأن الحل على المستوى اللبناني يتطلب أن تكون هناك حكومة، والتي كان من المفترض أن يستفاد من التجارب السابقة وتشكل في غضون خمسة عشر يوماً”.
وإذ تساءل عن أسباب التأخير وعن طرح قواعد جديدة في التشكيل مخالفة للأعراف؟ قال: “تارة يطرحون تشكيل حكومة لا تتضمن وزراء سابقين وإذ بنا نتفاجأ بتشكيلات حكومية تتضمن وزراء سابقين وتارة أخرى يطلبون ألا تتضمن الحكومة نواباً… لماذا؟ ليكن معلوماً أن كل الحكومات في العالم هي مرآة للمجلس النيابي، وطوراً يطرحون حكومة مستقلين فهل تفسر الإستقلالية لا إنتماء؟ لماذا تصوير الأحزاب والحزبيين وكأنهم “بعبع” فعلاً الأمرغريب فالأحزاب لديها كفاءات وقدرات”.
وتابع: “ما طرحته وإقترحته هو نفسه منذ أن ترشح الرئيس الحريري وبعده محمد الصفدي وبهيج طبارة وسمير الخطيب وأيضاً الأمر لم يتغير مع حسان دياب، ما اقترحته هو حكومة تكنو- سياسية وأنا أرفض حكومة سياسية صرف، أليست الحكومة الحالية حكومة تكنو – سياسية؟ إن المهم في أي حكومة مهما كان شكلها الإنسجام والبرنامج، سيما أن أي حكومة ستشكل لا تتحمل أي تأخير في هدر الوقت حتى أن معظم السفراء أبلغوا بأن أي حكومة لو تألفت لم يعد لديها أكثر من أسبوعين لمعرفة برنامج عملها”.
وجدد بري التأكيد على “وجوب أن تشمل الحكومة الجديدة ممثلين عن الحراك”، نافياً “كل ما يشاع عن عدم حماسه لحكومة برئاسة دياب قائلاً: “ليس صحيحاً كل ما يشاع لقد قدمت كل الدعم والمؤازرة له”.
وأوضح أن “حركة أمل حتى الآن لم تقدم أسماء للوزارة وأن الدكتورغازي وزني قد شغل منصب مستشار للجنة المال والموازنة لمدة ثلاث سنوات وهو ليس مستشاراً مالياً أو إقتصادياً لرئيس المجلس”، مستغرباً “الإمعان بإصدار أحكام الإعدام بحق الناس إفتراء وتجريحاً”.
بري تلقف طرح عون بـ”تكنو – سياسية”
وإذا كان كلام بري واضحاً لجهة عدم إحراز أي تقدم في عملية تشكيل الحكومة، سيما عندما يتحدث عن عدم تسمية حركة أمل والإشارة إلى كفاءات وقدرات الأحزاب وبأن الحكومات في العالم هي مرآة للمجلس النيابي، فإن بعض المصادر النيابية المتابعة، ترى أن مسار تأليف الحكومة لم يعد سلساً كما كان يتوقع البعض أو كما كان مفترضاً لأن التطورات الإقليمية والدولية التي حصلت على أرض العراق وما تبعها ليس بالأمر البسيط كما أن هذه المواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية لم تنته بعد حتى لو تم هضم الرد الإيراني من قبل أميركا.
ويرى عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب محمد خواجة أن “كلام وموقف الرئيس بري عن حكومة تكنو- سياسية وجامعة ليس جديداً أو مستجداً، فهو تحدث عن هذا الأمر منذ اليوم الأول للإستشارات وعاد وكرره في إجتماعات الكتلة”.
ويقول خواجة لـ”نداء الوطن”: “أنا رأيي الشخصي، أننا بحاجة إلى حكومة تضم وجوهاً توحي بالثقة للداخل والخارج كما يُمكن للسياسي أن يكون صاحب إختصاص ولكن العكس ليس صحيحاً، والحكومات من أولى وظائفها صناعة السياسات”.
وإذا كان خطاب الشارع والحراك وما جرى قد أثّر على التوجه العام، إلى جانب قناعة الرئيس المكلف بحكومة إختصاص أو تكنوقراط والوصول إلى مرحلة فحص عما إذا كان بعض الأشخاص ربما قد سبق وشاركوا في بعض الإجتماعات الحزبية، فإن المستجد الذي دفع ببري لإعادة طرح التكنو – سياسية، هو ما تبلغه من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لجهة أن ما بعد التطورات الإقليمية المستجدة ليس كما قبله وبالتالي باتت الأمور تحتاج إلى حكومة تكنو – سياسية.
وأوضح عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب هادي أبو الحسن لـ”نداء الوطن” أن “موقف ورأي الرئيس بري ليس جديداً بشأن طبيعة الحكومة ولكن المستجد هو ما تبلغ به بري من رئيس الجمهورية حيث أتى الطرح من قصر بعبدا بتعديل في طبيعة الحكومة عطفاً على التطورات وبالتالي تلقف الرئيس بري الأمر وطارت حكومة التكنوقراط وبدأ الحديث عن التكنو – سياسية مجدداً”.
ويتابع: “ستبقى حكومة اللون الواحد التي ستكون مرفوضة من الحراك ومن مجموعة الدعم الدولية للبنان بمعزل عن التسميات المغلفة وسنبقى نهدر المزيد من الوقت ونمعن في الإستفزاز لأن هذه الحكومة لن تجلب الحل لأزمات البلد بل على العكس”.
ويتساءل أبو الحسن عن: “سبب الموقف المستجد من قبل رئيس الجمهورية، ولماذا نريد إدخال البلد في لعبة التوتر الإقليمي والدولي، علماً أن أطراف الصراع أنفسهم ربما يجلسون قريباً الى طاولة التفاوض”.
يبقى السؤال أخيراً: هل أن “القطبة المخفية” هي تعديل موقف الرئيس عون أم أن ما قاله الرئيس بري عن أن معظم السفراء أبلغوا بأن أي حكومة لو تألفت لم يعد لديها أكثر من أسبوعين لمعرفة برنامج عملها؟