كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
ا هو الحد الذي من الممكن أن يصل إليه سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، ولماذا الدولار متوفّر عند الصيارفة في السوق الثانوية وغير متوفّر في المصارف؟ سؤالان لا يجتمع اثنان وإلا ويكونان ثالثهما. فانخفاض سعر صرف الليرة إلى مستويات قياسية لامست ما كان عليه عند نهاية الحرب الأهلية في بداية التسعينات، تحوّل إلى الشغل الشاغل للمواطنين والمقيمين في لبنان على حدّ سواء. فهو لا يُشكّل عامل ضغط آنيّ على قدرتهم الشرائية فحسب، إنما عنصر رعب على المستقبل.
تتناقض التحليلات بخصوص السقف الذي من الممكن أن يصل اليه الدولار الأميركي بعدما تخطّى عتبة الـ 2450 ليرة. إلا ان السبب، وعلى عكس نظريات المؤامرة الكثيرة، يبقى بحسب المستشار المالي د. غسان شماس واحداً وهو “عدم توفّر عرض الدولار من قِبل المصارف التجارية. فليس الصرّافون هم من يُحدّدون سعر الصرف، إنما السوق وآلية العرض والطلب. وعليه فإن زيادة الطلب على الدولار مقابل تراجع العرض هي التي تدفع سعره إلى الإرتفاع”. السوق الأساسية
التقليل من الدور الذي تلعبه السوق الثانوية، وخصوصاً عندما قال حاكم المصرف المركزي انه “لا يُشكّل أكثر من 5 إلى 10 في المئة من سوق القطع” لا يُعتبر غير حقيقي، إنما تضليلي أيضاً. فمع توقف المصارف عن دفع الدولار وإجبار التجار والمستوردين على اللجوء إلى الصرافين من أجل تأمين الدولار الطازج، إرتفع الطلب على الدولار بشكل قياسي، وبرأي شماس “عندما تراجَع دور المصارف في تأمين الدولار إلى 25 في المئة أصبح الصرّافون يُغطّون نسبة 75 في المئة. والطلب هنا لا يقتصر على من يحوّل الليرة اللبنانية الى الدولار بهدف السفر، إنما نتحدث عن الطلب الجدّي والكبير من قِبل التجار والمستوردين”. وعن كمية التداول في السوق الثانوية يُجيب ان “الرقم الدقيق غير معروف، إنما يُتوقّع ان يصل الطلب التجاري على الدولار الى 250 مليون دولار، وإذا أضفنا عليه الطلب الفردي المرتفع فإن الرقم يرتفع الى 300 مليون دولار”.
الخبراء على مختلف مشاربهم يتفقون على ان تراجع الدولار مقابل الليرة ولو بنِسب مئوية ليست كبيرة، يتطلّب نوعاً من الإستقرارَين السياسي والاقتصادي، وتذليلاً تدريجياً لمخاوف المواطنين المتصاعدة. فالأسواق اليوم تشهد حالة من الهلع الفعلي تدفع المواطنين من جهة إلى سحب ما يستطيعون من مدّخراتهم من المصارف، ومن الجهة الاخرى تحويل ما بين أيديهم من الليرة إلى الدولار خوفاً مما قد تحمله الأيام.
أما عن مصدر الدولار عند الصيارفة، فيلفت متابعون إلى أن الصرّافين يؤمّنون الدولار من ثلاثة مصادر رئيسية: الأموال الخاصة، العرض في السوق، وإستيراد الدولار من الخارج مقابل كلفة معينة تتحدّد بـ 5 بالألف أو أكثر.
منسق الإدارة السياسية في حزب “الكتلة الوطنية” أمين عيسى يرى أن “غياب الثقة بالإدارة الاقتصادية للمال العام، وغياب الإجراءات الضرورية من قِبل مصرف لبنان والسلطة المالية من أجل تنظيم التدهور الحاصل، يدفعان المواطنين إلى الهروب من الليرة وشراء الدولار. وعليه، وبحسب عيسى، فإن “المطلب الوحيد اليوم للحدّ من الإنهيار وتخفيف كلفته عن كاهل المواطنين وأصحاب الدخول القليلة هو تشكيل حكومة أخصائيين مستقلين عن الأحزاب ومشاريعها، تتكفّل البدء بتنظيم المرحلة. فالأزمة أكبر من السلطة الحاكمة، وهم لا يملكون الاستقلالية والذهنية والكفاءة للخروج من مثل هذه الأزمة”.
فقدان الأمل بتحوّل مصيري على صعيد الداخل اللبناني يكذّبه التاريخ، وبحسب عيسى فإنه “في لحظات معينة عندما تتعمّق الهوّة ويصبح هناك تباعد كلّي بين المطالبين والرافضين، تأتي لحظة غير منتظرة تغيّر كل التركيبة وهو ما يتوقّع ان يحصل في لبنان”.
قبول المصارف بتسديد المدينين سندات قروضهم المقوّمة بالدولار بالليرة اللبنانية ليس دليلاً صحياً يُعبّر عن ملاءتها، والأكيد انه ليس عملية تمهيدية لتنفيذ Hair Cut على الودائع بالدولار، إنما السبب يعود إلى ان “المصارف تضع مقابل القروض المتعثرة مؤنات بالليرة اللبنانية في مصرف لبنان، لغرض كفاية رأس المال أو capital adequacy. وبالتالي فإن قبول المصارف قبض السندات بالليرة وتحويلها دفترياً إلى دولار على سعر الصرف الرسمي على 1500 ليرة يبقى أوفر عليها من تأمين مؤونات عن القروض المتعثرة بالدولار الاميركي. وشروط الملاءة التي فرضتها معايير بازل 3. هذا، ويخفف هذا التدبير من امتلاك المصارف للمنازل والسيارات وغيرها الكثير من الرهونات” يضيف شماس.
استنسابية المصارف في التعامل مع الأزمة وتحميلها وزرها لأصحاب الرواتب “الموطنة” والمودعين من الطبقة الوسطى، وفشل السلطة الحاكمة في تنفيذ إصلاحات جدية وأساسية أصبح يتطلّب تدخّلاً مباشراً من صندوق النقد الدولي يُجبر السلطات السياسية والنقدية والمالية على إجراء إصلاحات منطقية بعيدة عن العبثية والمصالح الفئوية الضيقة… وإلّا فلا حدود للمستوى الذي ممكن أن تصل إليه الأزمة.