رغم أن الإطلالةَ الثانيةَ للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في غضون أسبوعٍ لمواكبة مرحلة ما بعد اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب قوات «الحشد الشعبي» العراقي أبومهدي المهندس في بغداد، لم تقارب الوضع الداخلي المحكوم بـ«أخطبوط» أزمات سياسية ومالية – اقتصادية، إلا أن المواقف التي أطْلَقها تشي باستجلاب المزيد من «المتاعب» للبنان لِما انطوتْ عليه من رسائل «نارية» برسْم الولايات المتحدة ودول الخليج يُخشى أن تكون لها تشظياتٌ في أكثر من اتجاه.
ففي اللحظة التي يبدو العنوان «المعلَن» للاشتباك السياسي المستجدّ بين أطراف «البيت الواحد» (فريق رئيس الجمهورية و«حزب الله» وحركة «أمل») والرئيس المكلّف حسان دياب مُتَمَحْوِراً حول «بروفايل» الحكومة العتيدة التي يريدها الأخير من 18 اختصاصياً (تسمّيهم تلك الأطراف) بما يوجّه إشارة إيجابية، ولو بالحد الأدنى، إلى المجتمعيْن العربي والدولي، اعتبرت أوساط مطلعة أن كلام نصرالله، في ذكرى أسبوع على اغتيال سليماني والمهندس جاء ليعمّق «الحفرة» التي يقبع فيها لبنان الواقع بين: «مطرقة» كيفية «تمويه» إمساك «حزب الله» الكامل بقراره السياسي بعد تقديم الرئيس سعد الحريري استقالة حكومته وحصول «تكليف اللون الواحد» لدياب الأمر الذي يعرّض البلاد لمزيد من الانكشاف على المواجهة الأميركية – الإيرانية في المنطقة، و«سندان» الأزمة المالية – الاقتصادية غير المسبوقة في تاريخ لبنان والتي كانت «الشرارةَ» التي أشعلتْ «ثورة 17 أكتوبر» بعناوينها المطلبية المعيشية وذات الصلة بفساد الطبقة السياسية.
وبدا «تَلهّي» الائتلافُ الحاكِمُ بتجدُّد «حربَ الصلاحيات» بين رئيس الجمهورية ميشال عون ودياب، تحت عنوان «رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا»، والصراعُ الخفي وغير المَخْفي حول هويّتها (عودة المطالبة بتشكيلة تكنو – سياسية) وتَقاسُم الحصص و«الثلث المعطّل» فيها، مجرّد تفصيل أمام وهج إلحاق نصرالله للبنان بـ«العصر الجديد» لِما بعد اغتيال سليماني وعنوانه الأبرز إخراج القوات الأميركية من الشرق الأوسط (غرب آسيا)، ملوّحاً «بالدم» بعد «الصفعة الأولى» التي شكّلها الاستهداف الإيراني لقاعدة عين الأسد، التي تستضيف قوات أميركية في العراق من ضمن مسار طويل لردٍّ يعيد القوات الأميركية إلى بلادها «إما عمودياً أو أفقياً».
وبينما كان أطراف السلطة «يسلّمون» ضمناً بأن تشكيل الحكومة الجديدة صار في «خبر كان»، أقلّه في الأيام المقبلة، وسط محاولاتٍ للتعمية على التأخر في التأليف عبر الضغط على الحريري في اتجاه تفعيل حكومة تصريف الأعمال، باغت نصرالله الجميع ومن فوق كل الواقع الداخلي و«ألغامه» المربوطة في جزء منها بـ«صواعق المنطقة» في مواقفه التي لم يتوانَ فيها عن إعلان أنه يتحدّث «عن لبنان» في إطلالةٍ بدا عنوانها «شكراً سليماني، شكراً إيران» وحدّد فيها «خريطة الطريق» لـ«محور المقاومة» تحت سقف ما بعد «الصفعة العظيمة» ورسائلها التي هدّد من خلالها بعض دول الخليج، معيداً «الاعتبار» لشعار «أميركا الشيطان الأكبر والعدو الأول لشعوبنا»، وكاشفاً عن تلقيه بعد تصفية سليماني «طلبات لتنفيذ عمليات استشهادية».
وبدأ نصرالله كلمته المطوّلة مستذكراً دور سليماني، الذي وصفه بأنه «كان مندوبَ وحامل راية الجمهورية الاسلامية في إيران» كـ«شريك كامل في تحرير العام 2000 (لجنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي)»، وفي «التطور الكمي والنوعي في إمكانات المقاومة»، وصولاً إلى حرب يوليو 2006«حين حرص على أن يكون معنا في الضاحية وفي غرفة العمليات»، وليس انتهاءً بدوره في الحرب على «داعش» التي شكّلت المعركة معه في جرود عرسال اللبنانية امتداداً للمعركة الواحدة في شرق حمص وشرق حلب ودير الزور الى شرق الفرات، ومذكراً بأنه لو لم يُهزم «داعش» في سورية والعراق لكان الأردن ودول خليجية في خطر (…) وشعوب المنطقة يجب أن تشكر الحشد الشعبي وقادته.
وبعدما وصف تشييع سليماني بأن «لا مثيل له في تاريخ البشرية بعد تشييع الإمام الخميني (…) وهذا الشعب الايراني ليس له مثيل بالتاريخ»، متوقفاً عرَضاً عند إسقاط الطائرة الأوكرانية ومعتبراً «أنه لم يحصل بالتاريخ ان تعترف دولة بخطأ كما فعلت إيران بكل شفافية««.
وفي أول كلام له بعد الردّ الإيراني الصاروخي على «عين الأسد»، أعلن أن «هذه الضربة تدل على شجاعة منقطعة النظير (…) وهذا لم يحصل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهنا نتحدّث عن ضربة من دولة لا تنظيم كما حصل مع المارينز في بيروت (1983) بل دولة، فمن يجرؤ على أن يقف بوجه أميركا، وبالأخص بعد تهديدات ترامب الذي ابتلع تصريحاته».
وفي دلالات «الصفعة الإيرانية»، اعتبر أنها «كشفت قوة القدرات العسكرية الايرانية (…) وهذا يعني أن كل القواعد الاميركية في المنطقة تحت مرمى الصواريخ. والرسالة لكل مَن يتآمر مع أميركا على إيران ورسالة للكيان الصهيوني»، مضيفاً: «الضربة عظيمة. هناك قتلى أم لا وجرحى أم لا؟ هذا تبيّنه الايام. والصفعة كسرت الهيبة الأميركية، وفي الأيام الماضية وقفوا على رجل ونصف»، وتابع: «ترامب كذاب، فالحاج قاسم سليماني لم يكن يخطط لاستهداف سفارات أميركية بل هم يكذبون لتغطية الأهداف الحقيقية».
واعتبر نصرالله أن موضوع الردّ ضمن «بقية المسار» يرتبط بالعراق أولا «لأنه الساحة التي نُفذت فيها الجريمة»، وقال: «الرد الاول كان بتشييع الشهداء وخطاب المرجعية الشريفة والرد الثاني بموقف رئيس مجلس الوزراء وقرار البرلمان (المطالبة بخروج الجيش الأميركي)»، وأضاف:»أتمنى على السيد مسعود بارازاني ان يعترف بجميل الحاج قاسم، لأنه عندما كاد إقليم كردستان ان يسقط بيد داعش واتصلتَ بأصدقائك ولم يعاونوك، اتصلتَ بالايراني فكان الحاج قاسم في اليوم الثاني الى جانبك (…) واليوم أنتم مسؤولون أن تعترفوا بهذا الجميل وتكونوا جزءاً من الردّ إلى جانب الحكومة والقوى العراقية الأخرى».
وتابع: «خطوة إخراج القوات الأميركية من العراق بدأت بقرار المجلس النيابي، وإذا أوصلوه للنهاية سيكون الرد الأجمل على هذه الجريمة النكراء وإلا سيقرّر الشعب العراقي وفصائل المقاومة كيف يتعاطون مع قوات الاحتلال».
وأعلن في الإطار نفسه «أن على بقية محور المقاومة بعد صفعة عين الاسد ان يبدأ العمل. وما قيل قبل أيام ليس للاستهلاك المحلي بل قوى المقاومة جادة وهادِفة للهدف الكبير وهو إخراج القواعد والبوارج والجنود والضباط الأميركيين من المنطقة (…) وهذا قرار حاسم في محور المقاومة والمسـألة مسألة وقت، وقول ترامب وغيره إن المنطقة باتت أكثر أمناً بعد اغتيال سليماني أمر خاطئ وهم مشتبهون وستكتشفون خطأكم بالدم».