الرئيس المكلف حسان دياب في وضع لا يُحسد عليه، وفي وضع دقيق يواجه فيه «الإحراج للإخراج» بعدما بات عاجزا عن تشكيل الحكومة التي يريدها أن تشبهه، وسحبت القوى التي سمته الدعم السياسي والتفويض الحكومي.
حسان دياب المصرّ على «عدم الاعتذار» يواجه واقع «عدم التأليف»، وعمليا أصبح أمام خيارين: القبول بحكومة تكنوسياسية أو الاعتذار، أما الانتظار والبقاء في دائرة «لا تأليف ولا اعتذار» فلا يغير في الواقع شيئا ولا يرد الاعتبار والحياة الى حكومة التكنوقراط التي جرى الانقلاب عليها والتخلي عنها.
أما الأسباب التي أدت الى هذا التبدل في المشهد والتوجه، فهي:
1 – اغتيال اللواء قاسم سليماني الذي شكل حدثا طارئا واستثنائيا، ومع أن الاغتيال أصاب جنرالا إيرانيا على أرض عراقية بطائرة أميركية، إلا أن لبنان كان معنيا مباشرة بتداعيات هذا الاغتيال ووجد نفسه في قلب العاصفة، لأن حزب الله دخل مباشرة على خط هذا التطور الإقليمي ومن باب الانخراط في عملية الرد الاستراتيجي الطويل الأمد على الولايات المتحدة ووجودها العسكري في المنطقة، ليصبح الحزب في مكان آخر مع جدول أعمال إقليمي وإعادة ترتيب الأولويات في الداخل اللبناني، بحيث لم تعد حكومة التكنوقراط متناسبة مع المستجدات وطبيعة المرحلة الإقليمية الجديدة وحاجاتها.
وهذا التوجه لدى حزب الله لقي تفهما من جانب الرئيس ميشال عون، خصوصا أنه واجه صعوبة في التعاطي مع حسان دياب واهتزازا مبكرا في علاقة الثقة معه، كما لقي استحسانا من جانب الرئيس نبيه بري الذي لم يكن من الأساس مقتنعا بحكومة تكنوقراط ولا برئاسة دياب لها.
2 – «اشتباك الصلاحيات» بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وذلك بعدما كانت مطالبه محصورة بشكل الحكومة (أي حكومة اختصاصيين) وعدد الوزراء (١٨) توسعت وكبرت، حتى أنه طالب بتوزير مسيحيين اثنين (زياد بارود ودميانوس قطار) كي لا ينحصر في وزراء سُنة، ومن ثم طالب بالحصول على حقيبة سيادية من التيار الوطني الحر. وهنا اعترض «التيار» على تعاطيه معه كفريق هامشي وليس على أساس أنه مكون أساسي في الحكومة. وأظهر الرئيس عون استياء من طريقة إدارة دياب للملف الحكومي، وأن يكون متحكما بعملية التأليف، وأن يحاول افتعال معركة صــلاحـيات غير موجودة لاستدرار العطف والتأييد داخل طائفته.
3 – موقف الرئيس بري الذي قاد عملية الانقلاب على حكومة التكنوقراط وأعاد البحث الى نقطة الصفر، وهذا الموقف ناجم عن أمرين: الأول قناعة لدى بري بأن حكومة كهذه ليست قادرة على الإقلاع والصمود طويلا، وبأن المرحلة تستدعي «حكومة أقطاب. أو حكومة تكنوسياسية في أقل تقدير، وحسان دياب ليس الرجل المناسب لرئاسة حكومة من هذا النوع. والأمر الثاني يتعلق بصراع خفي مع الوزير جبران باسيل الذي يطمح لأن تكون حصته مع حلفائه (إرسلان والطاشناق) وحصة رئيس الجمهورية تسع وزراء، وهذا ما لا يرضى به بري، وفيه تجاوز لـ «الثلث المعطل والضامن»، واقترابا من عتبة النصف زائد واحد. وما أثار بري أن باسيل كان عمل على تسويق الحكومة السياسية (التي يؤيدها بري أساسا وحصل باسيل على تأييد عون وحزب الله عليها)، واستخدم هذه الورقة لمفاوضة دياب وابتزازه ليتفق معه على حكومة تكنوقراط من ١٨ وزيرا وعلى إزاحة قطار من وزارة الخارجية. وعندما أدرك بري أن باسيل أوقعه مع حزب الله في حرج كبير واستخدم موافقتهما على طرح تقدم به باسم رئيس الجمهورية لتعزيز حصته في حكومة تكنوقراط، كانت المواقف المتتالية التي أعلنها بري مطالبا بحكومة «لمّ شمل وطني»، وذهب الى حد التهديد بالبقاء خارج الحكومة.