ليس ما جرى في شارع الحمرا وتحديدا امام مصرف لبنان وجمعية المصارف ليل امس ثورة، ولا يمت للثورة بصلة. الثوار الذين لم ينفكوا ينادون “سلمية سلمية” منذ مساء 17 تشرين الاول 2019 وحتى 16 كانون 2020 ، ليست هذه ممارساتهم ولا طريقة ثورتهم. من قدم الورود البيضاء لرجال الامن ومن شارك العسكر مشاعرهم ودموعهم لم يرشق يوما حجرا في اتجاههم ولم يخرّب او يكسّر. مفتعلو الشغب معروفو الهوية والانتماء وممارساتهم شاهدة من الرينغ ومحيطه الى ساحتي الشهداء ورياض الصلح ومن صور الى كفررمان “الوصمة” نفسها.
واذا كان هؤلاء اعلنوا انتماءاتهم الحزبية التي سارع حزب الله وحركة امل الى التبرؤ منهم، على رغم مجاهرتهم بهذا الانتماء على شاشات التلفزة مباشرة، حتى ان الرئيس نبيه بري قال امام النواب اليوم “ان ما حصل أمس مدان ومستنكر باسمي وباسم المجلس النيابي”، مصوّبا سهامه في اتجاه الثورة، فهذا لا يعني حرمانهم حق التعبير والتظاهر ما داموا مواطنين لبنانيين يتشاركون والثوار الغضب من الاداء المصرفي بفعل الذل الذي يتعرضون له للحصول على اموالهم بالقطّارة ولا التعبير عن وجعهم ومطالبهم، غير ان الاهم كما تقول اوساط سيادية لـ”المركزية” ان طريقة تعبيرهم التي استهدفت الاملاك الخاصة وتلك العامة التي يدفعون ثمن انشائها من جيوبهم، فمصرف لبنان على سبيل المثال ليس ملكا للحاكم رياض سلامة بل للدولة اللبنانية والاعتداء عليه كمن يعتدي على ملكه الخاص، تثبت ان هدفهم ليس الاحتجاج والاعتراض على النظام المصرفي والسياسة المالية، بقدر ما هو لمصلحة اجندة مختلفة عن اجندة الثورة الحقيقية لا بل مناقضة من خلال حرف القضية عن جوهرها الى مكان آخر. مكان سياسي بامتياز، عنوانه تغيير وجهة التحركات الشعبية وتحويل الانظار عن اساس المشكلة نحو الثانوي منها عبر التصويب على القطاع المالي لضربه ثأرا ، بعدما رفض الانصياع لسياسات محور الممانعة والتزم تنفيذ العقوبات المفروضة على حزب الله، مذكرة ان العهد بكل اركانه صدّق، بكل طيبة خاطر، على التجديد لحاكم المركزي رياض سلامة حتى العام 2023 ، باعتباره الاكفأ للاستمرار في منصبه هذا.
وتشير المصادر الى ما ورد في بيان رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري ازاء شغب الامس في الحمرا اذ اعلن رفضه ان يكون شاهد زور على مهمات مشبوهة يمكن ان تأخذ كل البلد إلى الخراب موضحا ان سلامة ، يتعرض لحملة اقتلاع معروفة الأهداف، وان الأمر يتعلق بهجمة تستهدف بيروت ودورها كعاصمة ومركز اقتصادي معني بأرزاق جميع اللبنانيين، كما الى بيان جمعية المصارف الذي اعتبر “أنّ الفاعلين لا يمتّون الى ثوار لبنان الحقيقيّين بصلة بل هم جماعة من الغوغائيّين المأجورين والمعروفي الاهداف”، لتقول، مع الاقرار الكامل بأن السياسة المالية المصرفية قد لا تكون على قدر مواجهة ازمة خطيرة من هذا النوع وعلى الارجح انها اخفقت في المعالجة، بيد ان المسؤولية، كل المسؤولية تقع على من جرّ البلاد الى حيث هي من ضمن مخطط ممنهج لاحكام القبضة السياسية عليها ونجح ، فتسبب بالازمة الاقتصادية والمالية التي يقبع تحتها اللبنانيون، وأسهم في اقفال مصارف من اللبناني- الكندي الى جماّل وما بينهما، وحجب المساعدات والهبات الغربية والخليجية عن لبنان وارهق خزينة الدولة بالحروب العبثية وضرب مواسم الاصطياف والسياحة وخلق ما يكفي من اسباب الرعب لـ”تهشيل” المستثمرين من توظيف اموالهم في لبنان، فحوّل لبنان من سويسرا الشرق الى بلد الفساد والمديونية والنفايات والانهيار.
هذا المشروع، تختم المصادر واجب لا بل حق مواجهته، تماما كما كل السلطة الفاسدة التي اسهم بعضها عن قصد والاخر عن غير قصد او عن تغاض لتمرير مصالح خاصة وحسابات ضيقة في انجاحه، وعلى الثورة تصويب بوصلتها في اتجاه الاضاءة على مخاطره بالقدر الذي تصوبها على الفساد لانه جزء اساسي اذا لم يكن الاساس في بلوغ البلاد قعر الهاوية.