كتبت غادة حلاوي في صحيفة نداء الوطن:
كان واضحاً أن “حزب الله” دخل في صمت مطبق حيال المباحثات الآيلة إلى تشكيل الحكومة، وحيّد نفسه عن تفاصيلها أقله في العلن، ولم يتصدر مشهد اللقاءات والاتصالات مع الرئيس المكلف حسان دياب، مسلماً الراية إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري أو لنقل مستعيناً به على رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، على أساس أن يحمل لقاءهما حلحلة للعقد التي تعترض اعلان الحكومة، خصوصاً بعد الخلاف الأخير وتضارب الأفكار حيال الحكومة.
تقول المعلومات إن “حزب الله” كان أرسل إلى بري شاكياً وممتعضاً إزاء ما آلت إليه الأمور في ظل عدم إيجاد “حلول مرنة مع باسيل”، ما أوجب اجتماع رئيس المجلس مع رئيس “التيار الوطني” لإبلاغه صراحةً “ما فيك تضهر من الحكومة ولا تنقلب على دياب وليس مطروحاً أن نذهب إلى خيار آخر من دونه”.
وقد تكون رسالة “حزب الله” كما نصيحة بري أعطت مفعولها بدليل ما قاله باسيل، والذي شكل مؤشراً واضحاً على مرحلة جديدة من التعاطي مع الرئيس المكلف. كان ينوي رئيس “التيار الوطني” أن يعلن عدم انضمامه لحكومة دياب والاكتفاء بإعطاء الحكومة الثقة اذا استجابت لشروط التشكيل، لكن إحجامه عن اتخاذ هذا الموقف يعني “مرونة” في مكان ما.
واذا كانت مصادر عين التينة وصفت اللقاء بأنه “جيد جداً”، فقد ذكرت مصادر “التيار الوطني” أن الاتفاق تم على إعطاء الرئيس المكلف فرصة ثانية وتسهيل مهمّته. وتحدثت عن لقاءات تمت مع الرئيس المكلف “ضخت في عروقه جرعة من الواقعية” كي يصبح أكثر منطقية في التعاطي بخصوص تشكيل حكومته.
دياب نقطة مشتركة
في العادة لا كيمياء تجمع بين بري وباسيل، غير أنّ اختلافهما مع الرئيس المكلف شكل نقطة تقاطع مشتركة في لحظة، هما اختلفا معه وعليه، أو بمعنى أصحّ فإن بري وباسيل التقيا على موقفهما المتحفظ على تعاطي دياب معهما في ما يتعلق بالمشاورات الحكومية، قبل أن يدبّ الخلاف بينهما على العودة إلى حكومة تكنوسياسية موسعة تراجع عنها باسيل لاحقاً ليترك بري في مواجهته مع الرئيس المكلف. ليّن بري موقفه تجاه دياب فيما بقي باسيل متمسكاً بحصصه والوزارات التي يريدها كحصة للتيار.
يعوّل “حزب الله” على نتائج لقاء بري مع باسيل، فموقفهما الذي كان يتجه إلى عدم المشاركة في الحكومة لم يلق ارتياحاً لدى “حزب الله”، الذي وجد نفسه فجأة أمام فريق سياسي متشظّ، يسوده التباين والحسابات المتناقضة تجاه تشكيل الحكومة، في وقت كان يريد للحكومة أن تخرج إلى العلن اليوم قبل الغد. ولم يكن التباين مقتصراً على بري ورئيس الجمهورية، فرئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية طالب بتسمية وزيرين مسيحيين، وكذلك فعل “اللقاء التشاوري”. قبل أن يدخل رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط على الخط مطالباً بحصة تدفع طلال ارسلان للمطالبة بحصة مقابلة.
ويتجنب “حزب الله” التعبير عن انزعاج أو استياء يتعلق بأداء حلفائه حيال تشكيل الحكومة، غير أن دائرة الحديث تتسع في الكواليس عن العلاقات التي “لم تعد على خير ما يرام بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون و”التيار الوطني الحر” برئاسة باسيل من جهة، و”حزب الله” من جهة أخرى، وقد فرض التباعد في مقاربة موضوع تشكيل الحكومة نفسه على إيقاع العلاقة”. غير أنّ مصادر “التيار” لا تزال تجزم بأن العلاقة مع “حزب الله” جيدة جداً.
وعادة لا ينأى “حزب الله” بنفسه عن تشكيل الحكومة وهو الذي كان يتنازل عن حصته في سبيل تسهيل تشكيل الحكومات في الماضي، فكيف إذا كانت حكومة تابعة لفريقه السياسي، غير أن تلويح طرفين أساسيين من هذا الفريق بعدم المشاركة، كان من شأنه ان يلبّد الأجواء ويدفعه إلى التنحي جانباً… مكتفياً بحثّ الحلفاء على أن يعملوا على تذليل العقبات و”يحلّوها”.
دياب خيار عون وباسيل
منذ البداية كان خيار “حزب الله” عودة سعد الحريري إلى الحكومة وحين قطع الأمل من عودته، رضي بخيار عون لتكليف دياب تشكيل الحكومة. لم تجمعه مع دياب معرفة مسبقة ولا سبق واجتمع معه، واقتراح تكليفه انطلق من عون وباسيل فسلّم بالخيار وسهّل المهمة. منذ البداية كان يريد تشكيل حكومة بسرعة قياسية تلافياً لتوسع رقعة الأزمة، لكن المفاجأة جاءت من موقع آخر حين برز الخلاف داخل الفريق السياسي الواحد.
وفي الأساس كان مع حكومة تكنوقراط من 18 وزيراً من دون وزراء سابقين، وأن يصار إلى اقتراح أسماء تمثل كل الجهات ومن ذوي الكفاءة، غير أنّ العقل التقليدي كان السبّاق إلى التشكيل من حيث توزيع الحصص والحقائب. وبعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، كان أغلب الظن أنّ “حزب الله” سيعيد النظر في المتفق عليه لصالح حكومة مواجهة، فكان المفاجئ أنّ “الحزب” أبقى على الاتفاق القديم وأصر على تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن، فيما سار البعض باتجاه تغيير قواعد اللعبة بحجة أنّ التطورات التي حصلت توجب إعادة النظر بحكومة التكنوقراط وتوسيعها باتجاه حكومة تكنوسياسية، ما وسّع الخلاف على الحصص والحقائب، وهنا كان بيت القصيد الذي دفع بـ”حزب الله” إلى فرملة جهوده أو تجميدها مسلّماً الراية الى بري وباسيل اللذين جمعتهما “مصيبة” الرئيس المكلف. وهناك من يؤكد أنّ الحكومة كانت شبه مكتملة يوم اغتيال سليماني لولا مطالبة البعض بحكومة مواجهة رفضها “حزب الله” حتى بعد اغتيال سليماني.
أسباب عدة دفعت “حزب الله” الى مغادرة مربع التشكيل تاركاً من اختار تسمية دياب يتحمل مسؤولية خياره، وقد آل على نفسه عدم الدخول في التفاصيل من قريب أو من بعيد، لكنّ المعنيين مباشرة بالتشكيل يجزمون “لا يمكن لـ”حزب الله” أن يحيّد نفسه عن تشكيل الحكومة، خصوصاً وأنّ الرئيس المكلف ذاته يعول على مساندة “الحزب” في التشكيلة التي ينوي تقديمها لرئيس الجمهورية. كان دياب مرتاحاً لنتائج اجتماع بري مع باسيل، خصوصاً وأنّ وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل سبق والتقاه قبيل الاجتماع وكانت نتائج اللقاء ايجابية”.
تجزم مصادر مطلعة على اجواء الرئيس المكلف ان التواصل مع “حزب الله” قائم من خلال المعاون السياسي للأمين العام لـ”الحزب” الحاج حسين الخليل، الذي نقل له دعم “حزب الله” الذي من شأنه أن يساعده في الخروج بتشكيلة حكومية مرضي عنها. وعليه إذا سارت الأجواء وفق ما هو مرسوم، فإنّ ثمة من لا يستبعد أن تبصر حكومة دياب النور هذا الاسبوع.