كتبت جنى جبّور في “نداء الوطن”:
“ميتين ميتين، ما رح نفتح الطريق”، أن يعبر طالب “ثورجي” في ربيع عمره وهو يرمي الاطارات وسط اوتوستراد جييل بهذه الجملة، خير دليل على واقع الحال الذي وصلنا اليه. لا، لم يلتزم “الطلاب الثوار” بمساحة الساحة المخصصة لهم، بل ارادوها ثورة على مساحة الوطن في “يوم غضبهم”.
والثورة في لبنان كالماء الجاري، إن أُقفل أمامها مسرب فُتح لها آخر، تماماً كما فعل طلاب ثورة “17 تشرين”، الذين تعلموا من أخطاء الأجيال السابقة العاطلة من العمل أو الموجودة في بلاد الاغتراب اليوم، فما كان منهم إلا التحرك برد فعل مضاد للخمول وانتظار الحلول التي قد لا تأتي وإن أتت فعلى قياس مصالح من يضع الحل.
“يوم الغضب” المنتظر، انطلق في جبيل من ساحة “الثورة” من قبل الطلاب. لم يكن أمس الثلثاء يوماً دراسياً عادياً بالنسبة إليهم، وبدل أن يصطفوا في ملعب مدارسهم بعد رن الجرس عند الساعة السابعة والنصف صباحاً للدخول الى مقاعد الدراسة، اتحدوا صفاً واحداً وجالوا على مختلف المدارس الرسمية والخاصة في المنطقة، لدعوة زملائهم الطلاب للانضمام اليهم، وللتعبير عن غضبهم ومطالبهم المحقة. تحت راية العلم اللبناني، وعلى صوت الشعارات المختلفة أهمها الموجهة الى الرئيس المكلف حسان دياب “مش رح تشكل الحكومة، لو بتشك برأسك ريش، انت وحزب الليموني”، توجهوا الى هدفهم الأول الذي كان من نصيب مكاتب “أوجيرو” في جبيل، حيث انضم اليهم عدد من الأهالي بمؤازرة القوة الأمنية.
الـ”هيلا هيلا هو” هو الشعار الأكثر شهرة في ثورة “17 تشرين”، استعمل أيضاً أمام مبنى “أوجيرو” أمس فصرخ الثوار: “هيلا هيلا هو، اوجيرو مسكر يا حلو”، ودخلوا الى المكاتب مطالبين بإغلاقها وانصراف الموظفين الى منازلهم. وهذا ما حصل، فخرج الموظفون و”الطلاب الثوار” من مكاتب “أوجيرو”، ليتوجهوا الى محل للصيرفة في شارع جبيل، حيث إعتبر أحد الطلاب أنّ “تحركهم يهدف الى محاولة الضغط على مزاريب الفساد التي تسرق الشعب اللبناني تماماً كـ”أوجيرو” و”محلات الصيرفة”.
كذلك، كان للثوار وقفة رمزية أمام سراي جبيل، لينتقلوا بعدها بعفوية الى أوتوستراد جبيل قرب صيدلية الرحباني أي الى النقطة نفسها التي كانت معتمدة مع بدء اغلاق الطرقات عند انطلاق ثورة “17 تشرين”، وافترشوا الطريق بدايةً بأجسادهم على المسلكين الشرقي والغربي بحضور القوى الأمنية التي كانت أوامرها واضحة وغير موجهة الى فتح الطرقات بالقوة، بل الى حفظ الأمن. وفي ساعات بعد الظهر، بدأ أهالي جبيل بالتوافد الى المكان، وكانت الاطارات قد استعملت لقطع الطريق ومنها الطريق البحرية ما سبب زحمة سير خانقة، فبادر الثوار بالتنسيق مع الجيش اللبناني، الى فتح مسرب واحد على المسلكين الشرقي والغربي لدقائق محدودة تسهيلاً لمرور باصات المدارس.
مطالب الثوار لم تتغير كثيراً منذ “17 تشرين” حتّى اليوم. وفي جبيل كما في كل المناطق اللبنانية تعددت المطالب وتنوعت، وكان أبرزها “التسريع في تشكيل حكومة اختصاصيين من مستقلين في مدّة أقصاها 48 ساعة، والّا التصعيد سيكون سيد الموقف”. كذلك، دعا ثوار جبيل الاهالي في المنطقة الى الانضمام اليهم، قائلين: “لسنا بقطاع طرق، والسلطة الفاسدة هي التي تتعامل معنا بقلة أدب، وورقة الضغط الوحيدة التي نملكها هي شل البلد من خلال التوجه الى الشارع واغلاق الطرقات”. وفي ظل الأوضاع المعيشية والمادية والسياسية والأمنية الراهنة وغيبوبة المسؤولين اللبنانيين، يمكن القول إن كان “للغضب” جولة فلـ”الثورة” ألف جولة وجولة، حتّى تتحقق مطالب الشعب اللبناني المحقة!