Site icon IMLebanon

“معركة تحرير” رهائن ثكنة الحلو: عنف القوى الأمنيّة… بغطاء سياسيّ ودوليّ!

كتبت إيلده الغصين في “الاخبار”:

في اليومين الماضيين، لم تتقبّل المجموعة الحاكمة التعرّض للمصارف، فخرجت تحميها بتصريحات الإدانة وأطلقت يد القوى الأمنية ومنحتها الغطاء السياسي – الأمني، فيما مارست ضغوطها على القضاء… بهدف منع الإفراج عن «رهائن ثكنة الحلو». وجاء تصريح للمنسق الخاص للأمم المتّحدة في لبنان، كتدخّل واضح في الشأن اللبناني الداخلي ليصف ما حصل بـ«التخريب» ويعتبر أن ثمة «متسلّلين لخطف التظاهرات». ما سبق فتح الباب أمام عنف غير مسبوق، ليرتفع عدد المتعقلين والجرحى.

لم تمتلك السلطات السياسيّة والأمنيّة والقضائيّة مجتمعةً سوى «العنف»، وحده دون سواه، في مواجهة المحتجّين أمام ثكنة الحلو للمطالبة بالإفراج عن 59 معتقلاً، كانت القوى الأمنيّة اعتقلتهم عشوائيّاً ليل الثلاثاء، خلال المواجهات أمام مصرف لبنان والمصارف في شارع الحمراء.

عنف السياسيّين بدأ صباحاً، مع تصريحات متلاحقة أدانت ما حصل في الحمراء، لكلّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، رئيس المجلس النيابي نبيه برّي والنائب السابق وليد جنبلاط. التصريحات شكّلت غطاء سياسياً «واضحاً» لتأخير إصدار إشارة النيابة العامة في ترك المعتقلين، ولم يكن التصعيد في الشارع إلاّ ضغطاً للإفراج عن رهائن ثكنة الحلو التي أخّرت قوى الأمن الداخلي الإفراج عنهم، رغم إشارة القضاء. وجاء الغطاء «الدولي» للقمع بتصريح للمنسق الخاص للأمم المتّحدة في لبنان يان كوبيتش، في سلسلة تغريدات عبر «تويتر»، قال فيها إن «التخريب ليس طريقة مناسبة للتعبير عن الغضب واليأس المشروعين للمتظاهرين»، محذّراً من «التلاعب السياسي والمتسلّلين الذين يحاولون خطف الاحتجاجات المشروعة وتقويضها واستفزاز القوى الأمنيّة التي تشكّل جزءاً من الشعب اللبناني». وهو للمناسبة استخدم تعابير تكاد تكون مطابقة لتلك التي وردت في بيان جمعية المصارف أمس.

العنف المفرط للقوى الأمنيّة كان ترجمة للغطاء السياسي – الأمني و«لقرارات من فوق» بسبب التعرّض للمصارف، واتّخذ أشكالاً عدة طوال ساعات يوم أمس، من تعرّض لمصوّرين صحافيّين واعتقال متظاهرين لمجرّد مشاركتهم في الوقفة الاحتجاجيّة أمام الثكنة… ليتحوّل في ساعات المساء إلى «مفرط جداً» انتهى بأكثر من 20 معتقلاً إضافياً وجرحى ومصابين واعتداء على المصوّرين الصحافيّين منعاً لتوثيق الاعتداءات.

«شبّيحة، شبّيحة»، كانت العبارة الأكثر ترداداً بين صفوف المحتجّين رداً على عنف القوى الأمنيّة، منذ اعتداءات الحمراء أول من أمس، وفي الوقفة الاحتجاجيّة التي استمرت منذ العاشرة صباح أمس وحتى المساء. توازياً انطلقت مسيرة تضامنيّة من أمام مصرف لبنان (الحمراء) لتنضمّ إلى المعتصمين أمام ثكنة الحلو (كورنيش المزرعة). المسيرة لم توفّر واجهات المصارف في شارع مار الياس، ولدى وصولها إلى أمام الثكنة ومع تزايد أعداد المحتجّين، عادت القوى الأمنيّة وبشكل خاص عناصر مكافحة الشغب إلى ممارساتها: إطلاق قنابل الغاز المسيّل للدموع والكرّ والفرّ وصولاً إلى تطويق المعتصمين وتفرقتهم وضربهم وسحلهم وسحبهم فرادى إلى داخل الثكنة. العناصر خرجوا «مهتاجين» وعلى دفعات من ثكنتهم، ولم يوفّروا في اعتداءاتهم المصابين والمصوّرين الصحافيين، فتحوّل شارع مار الياس وكورنيش المزرعة إلى ساحتَي مواجهة دامت حتى منتصف الليل. وكانت المحصّلة أعداداً كبيرة من الموقوفين من دون معرفة الرقم بالتحديد ولا أسمائهم، ومصابين وجرحى نقلتهم سيارات الإسعاف إلى مستشفيات بيروت، وصرّح أمين عام الصليب الأحمر جورج كتانة عن «نقل 35 حالة من محيط الثكنة والإصابات كانت من طرفَي المتظاهرين والقوى الأمنية».

التحقيق مع معتقلي ليل الثلاثاء في ثكنة الحلو، تولّته شرطة بيروت، قبل أن يُحال الملف على فرع المعلومات، وفُتح ملفّ واحد للموقوفين الـ59، بمعنى أن إغلاقه كان يستوجب استكمال التحقيق مع جميعهم. 54 معتقلاً في ثكنة الحلو، و5 معتقلين في فصيلة رأس بيروت ضُمّوا إلى ثكنة الحلو في الملف نفسه. إضافة إلى 3 معتقلين أُفرج عنهم بسندات إقامة ليل الثلاثاء من مخفر الرملة البيضاء. أولئك بقوا رهن التحقيق بانتظار إشارة قضائيّة «تأخّرت» من النائب العام الاستئنافي غسان عويدات، الذي صرّح قبيل منتصف الليل بأن «إطلاق الموقوفين سيتم تباعاً باستثناء من يثبت تورطهم في الاعتداء على قوى الأمن»، ولاحقاً جرى «الإفراج عن مجموعة من 10 موقوفين». وقالت مصادر أمنية إن شرطة بيروت «تعمّدت العمل ببطء للإبقاء على الموقوفين داخل الزنازين أطول فترة ممكنة»، فيما قال موقوفون مفرج عنهم إن الموقوفين السوريين يتعرّضون لعنف مبرح داخل نظارات التوقيف!

لجنة المحامين المتطوّعين للدفاع عن المتظاهرين تابعت ملفّ الموقوفين الـ59، بينهم قاصران، منذ ليل الثلاثاء حيث تمكّنت من لقائهم وطلبت حضور طبيب شرعي للكشف على خمسة منهم تعرّضوا لإصابات «طفيفة». أما أمس، فلم تتمكّن اللجنة من لقائهم «لأنّه يحق لنا بلقاء واحد».

«التحقيقات بدأت متأخّرةً ظهر اليوم، ولأنّ من قاموا بالتكسير كانوا ملثّمين، طالبنا بالاكتفاء بإفادات المعتقلين والإفراج عنهم وتركهم رهن التحقيق، واستدعائهم لاحقاً في حال تطلّب الأمر إذ أن هويّاتهم وأماكن سكنهم باتت بيد الأجهزة. غير أننا لم نتوصّل إلى نتيجة ونستمرّ بالمفاوضات»، وفق عضو اللجنة المحامي أيمن رعد، ويضيف «الاعتقالات كانت عشوائيّة، ولدينا أمثلة عن معتقلين كانوا في مطعم في الحمراء (دخلته القوى الأمنيّة بدون إذن قضائيّ، المبرِّر هو الوضع الأمني)، وآخرين كانوا يغادرون أعمالهم».

اعتداء سافر على المصوّرين الصحافيّين!

الاعتداءات الأسوأ والأكثر خرقاً للقوانين والحقوق والحريّات حصلت بحقّ المصوّرين الصحافيين الذين تعرّضت لهم القوى الأمنيّة خلال ممارستهم عملهم الصحافي ومنعت بعضهم من التصوير ووقع بينهم جرحى. حادثة «اختطاف» المصوّر حسين بيضون بعد ظهر أمس، إلى داخل ثكنة الحلو، وقبل تصعيد الشارع، شكّلت دليلاً كافياً على رصد القوى الأمنيّة وسبق إصرارها على اعتقال عدد من المصوّرين «المزعجين» بالنسبة إليها. بيضون اعتُقل أمام الثكنة لبعض الوقت وطُلب منه محو تسجيلات كاميراه، الأمر الذي رفضه وتراجع عنه المحقّقون لاحقاً على اعتبار «بيعملنا فضيحة!». محو التسجيلات هو أمر غير قانوني، سواء عبر كاميرات الصحافيّين أم هواتف الناشطين المحمولة إذ يتطلّب حكماً قضائياً مبرماً، وفق المحامين.

أمام هذه الاعتداءات، وبغياب فادح للنقابات المعنيّة، دعا صحافيّون مستقلّون وتجمّع «نقابة الصحافة البديلة» إلى الاعتصام اليوم، الثانية عشرة ظهراً، أمام وزارة الداخليّة في الحمراء.