دخل لبنان مرحلة جديدة بعد ليلة الشغب التي شهدها شارع الحمراء في بيروت وتخللها تحطيم واجهات محلات تجارية وفروع لمصارف عدّة.
وأكدت أوساط سياسية لبنانية أن الهدف من الشغب، الذي مورس ليل الثلاثاء – الأربعاء على يد عناصر كان يوجهها حزب الله، أخذ لبنان إلى مكان آخر بعيد عن الثورة الشعبية المستمرّة منذ السابع عشر من أكتوبر الماضي وتوجيه رسالة إلى الحكومة التي ينوي حسّان دياب تشكيلها.
وقالت هذه الأوساط إن حزب الله يريد التأكيد أنّه لا يمكن القبول ببقاء رياض سلامة في موقع حاكم مصرف لبنان (البنك المركزي) وذلك بسبب إصراره على التقيّد بالعقوبات الأميركية وإجبار المصارف اللبنانية على الرضوخ لها كي تتمكّن هذه المصارف من تفادي الإفلاس المحقّق.
وكان لافتا مسارعة سعد الحريري رئيس الحكومة المستقيلة إلى عقد لقاء مع سلامة بعد ظهر الأربعاء وتنديده بأحداث شارع الحمراء.
وقال الحريري بعد استقباله لحاكم مصرف لبنان “اطلعت على الأوضاع المالية والاقتصادية من حاكم مصرف لبنان فما حدث البارحة يظهر وكأنّ أمن بيروت مستباح. وقد طفح الكيل من هذا الموضوع”.
وأضاف “الحاكم لديه حصانة ولا أحد يستطيع عزله وليشكّلوا حكومة وسنعطيها فرصة”. وفي هجوم هو الأوّل من نوعه على التيّار الوطني الحر، حمّل الحريري “التيّار” مسؤولية التعطيل في لبنان.
ولاحظت الأوساط ذاتها أنّ الشغب في شارع الحمراء بدأ بهجوم شنّه مناصرون لحزب الله بغطاء من مجموعات يسارية على مصرف لبنان نفسه الذي لا يبعد كثيرا عن مدخل الشارع. وبعد تصدّي قوات الأمن لهجوم حزب الله وأنصاره، لجأ هؤلاء إلى شارع الحمراء وراحوا يحطمون كلّ ما صادفوه أمامهم مع تركيز خاص على فروع المصارف.
ووضعت الأوساط السياسية الأحداث الأخيرة في خانة خطف حزب الله للثورة الشعبية وتحويرها في اتجاه كلّ ما يحقق أهدافه، خصوصا وضع لبنان في موقف محرج تجاه الإدارة الأميركية.
واعتبر مراقبون أن رسائل خطيرة صدرت عن أعمال العنف التي قام بها متظاهرون، ضد المصرف المركزي، محذرين من تغير في بوصلة الحراك الشعبي المندلع منذ السابع عشر من أكتوبر باتجاه العنف، ما من شأنه تهديد أمن البلد.
وأشار هؤلاء إلى أن المشاركة الكثيفة والعلنية لعناصر تجاهر بانتمائها لحزب الله وحركة أمل في أعمال تكسير واجهات المصارف والمحلات التجارية، يعدّ تحولا لافتا لجهة الضغط الذي تمارسه الثنائية الشيعية، لاسيما حزب الله، ضد النظام المصرفي بالذات، من خلال استغلال النقمة العامة ضد إجراءات المصارف التقييدية على السحوبات.
سعد الحريري: حاكم مصرف لبنان لديه حصانة ولا أحد يستطيع عزله
وكان لافتا الموقف الذي أعلنه المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيش، بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الأربعاء، معتبرا أن حاكم مصرف لبنان “رياض سلامة هو الوحيد الذي يعمل على معالجة الأزمة القائمة في وقت لا يقوم السياسيّون بأي شيء”.
ولفت مراقبون إلى أن بيروت تلقّت تحذيرات خارجية حقيقية، بعضها نقله كوبيش، تحذر من غياب حكومة لبنانية بإمكانها التعاطي مع المجتمع الدولي، وخصوصا مع صندوق النقد والبنك الدوليين.
وقال كوبيش إنه نقل رسالة إلى برّي من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بضرورة الإسراع في تشكيل حكومة.
وذكرت مصادر سياسية لبنانية أن كلمة سرّ أعطيت خلال الساعات الماضية لكافة الفرقاء السياسيين لتسهيل مهمة الرئيس المكلف حسان دياب لتشكيل حكومته. وأشارت إلى أن شبه انقلاب حصل في مواقف كافة الأطراف بعث بأجواء إيجابية ذهبت إلى توقع ولادة الحكومة العتيدة قبل نهاية الأسبوع.
وكان اللقاء، الذي جمع برّي بوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، قد أسس لوضع قطار التأليف على سكته.
ورشح عن الاجتماع، الذي عقد الثلاثاء في مقر برّي، أن الأخير وافق على التراجع عن مطالبه بتشكيل حكومة تكنوسياسية أو حكومة سياسية وفق دعوته لقيام “حكومة لمّ شمل”، والقبول بتشكيل حكومة يريدها دياب من اختصاصيين مستقلين.
بالمقابل قالت التسريبات إن باسيل خفف بناء على طلب برّي من حدة المواقف التي كان سيعلنها ضد دياب وحكومته في المؤتمر الصحافي الذي أدلى به الثلاثاء.
وعلم أن حزب الله قد تدخل على خط برّي – باسيل للعمل على تسهيل ولادة الحكومة، وأن المساعد السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل اجتمع مع دياب قبل اجتماع آخر عقده دياب مع مساعد برّي السياسي الوزير علي حسن خليل.
وتوقع المراقبون أن تشمل اتصالات دياب برّي نفسه لإعداد الإخراج الأمثل للحكومة.
وذكرت مصادر لبنانية أن حزب الله وحركة أمل رفضا نهج رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره باسيل في الضغط لاستبعاد دياب واقتراح بدائل له لعدم اقتناعهم بالبدائل المتاحة (بعد استقبال عون للنائب السني عن بيروت فؤاد مخزومي).
وقالت هذه المصادر إن حزب الله يريد الذهاب إلى تشكيل حكومة بإمكانها حمايته من الضغوط الدولية التي تستهدفه بصفته ذراعا من أذرع إيران في المنطقة، وأنّ لا وقت لدى الحزب للانخراط في عملية سياسية طويلة لاختيار بديل عن دياب ثم الغرق في مداولات جديدة لتشكيل الحكومة.
وتحدثت مصادر برلمانية عن ضغوط تمارس على دياب من أجل تقديم بعض المرونة في صيغة ومعايير حكومته، وأن نقاشا يدور حاليا حول إمكانية توسيع الحكومة من 18 وزيرا وفق ما يريد دياب إلى 24 وزيرا، وأن الصيغة الأخيرة ستتيح رفع التمثيل الدرزي إلى وزيرين وتوسيع تمثيل الأقليات بشكل أفضل.
ولفتت مصادر دبلوماسية إلى أن موقف دياب المعاند لأيّ ضغوط مورست ضده للاعتذار عن القيام بمهمته قد يكون مستنداً على دعم إقليمي دولي لم تتضح معالمه بعد.
وقالت إن السعودية لم تبد أيّ موقف يُشتمّ منه استياء من الرئيس المكلف، كما أن تيار المستقبل توقف عن توجيه أيّ انتقادات ضد دياب، ناهيك عن أنه لم يصدر أيّ موقف سلبي أو إيجابي من دار الفتوى من مسألة تكليفه بتشكيل الحكومة.
ويمكن أن تدرج دعوة الحريري إلى تشكيل حكومة، وليس تفعيل حكومة تصريف الأعمال، مع استبعاد قبوله شخصيا تشكيل الحكومة في خانة دعم مهمة دياب، تماما مثلما يصبّ في السياق ذاته الموقف الذي أعلنه الوزير السابق والنائب الحالي نهاد المشنوق في أن رئاسة الجمهورية “تجتهد” في الدستور والرئيس المكلّف يطبّق الدستور.