كتبت رلى إبراهيم في “الاخبار”:
كان يُفترض بالضمان الاجتماعي أن يُنشئ مديرية للمعلوماتية يتسلمها بنفسه، بعد تكليف شركة لإعدادها وتدريب العمال فيها منذ عام 2007، وفي مهلة عامين. لكن، على الطريقة اللبنانية، مُددت المهلة 10 سنوات إضافية وبهدر يناهز العشرة مليارات ليرة لبنانية. امتنع مجلس إدارة الضمان أخيراً عن دفع مستحقات الشركة الممدّد لها، فوقع الخلاف بينه وبين المدير العام الذي قرر إنجاز مناقصة منفرداً كُتب دفتر شروطها «على قياس الشركة القديمة».
أقفل مركز الضمان الاجتماعي في الغازية أبوابه أول من أمس، بعد خروجه عن الشبكة التي تربطه بالمركز الرئيسي؛ فيما لم يسلم مركز وطى المصيطبة نفسه (الرئيسي) من الأعطال التي تمت معالجتها آنياً. ليس العطلان مجرد مصادفة، بل يرتبطان بتوقف الشركة المشغّلة للمعلوماتية (IDS) في الضمان الاجتماعي، منتصف كانون الأول 2019، عن العمل، وسحبها جميع موظفيها نتيجة عدم تقاضيها مستحقاتها منذ ستة أشهر. أدّى ذلك إلى تعطل نحو ثلث خدمات المكننة والمرجّح زيادة الأعطال كل يوم إضافي. كيف لشركة أن تتحكم بنظام كامل وبهذه الأهمية؟ وكيف يمكن للبرنامج أن يُغلق بشكل كامل إن لم تعالجه الشركة إياها؟ فتّش هنا عن إدارة الضمان وعن الصفقات والسمسرات التي تلهّى بها المدير العام ومجلس الإدارة، حتى وصلت الأمور إلى وضع حياة المرضى وكل قاعدة بيانات الضمان على المحكّ. ففي الأصل، نصّ عقد الشركة التي بدأت عملها في عام 2007، على القيام بأعمال تشغيلية بالمعنى الوظيفي كالصيانة وبعض البنود التي تتحدث عن تطوير الأعمال، فضلاً عن وظيفتها الأساسية بنقل المعرفة إلى موظفي الضمان أو أي موظفين آخرين تستقدمهم الإدارة ضمن عقدها المحدّد بسنتين. لكن ما حصل فعلاً هو ربط IDS كل الأعمال بيدها من إجراء الإحصاءات إلى احتكار برامج التشغيل إلى تعديل سعر الدواء والمستلزمات الطبية إلى دفع الاشتراكات وغيرها؛ وإهمالها البند الأهم وهو تدريب موظفي الضمان وتسليمهم العمل من بعدها.
جرى ذلك بتواطؤ عن قصد أو غير قصد من الإدارة التي لم تفصل موظفين أصلاً لهذه المهمة بل أمعنت في توزيع الموظفين العاملين في المعلوماتية على باقي الأقسام. وما إن انتهى عقد الشركة حتى مُدّد لها لعامين إضافين من دون إجراء أي مناقصة، لحقهما عامان آخران، وصولاً إلى عام 2019، حتى بلغت قيمة العقد السنوي 1.9 مليار ليرة لبنانية، علماً أن قيمة العقد ترتفع كل مرة بزيادة بنسبة 10%. انتهى تاريخ التمديد في 18 شباط 2019، فمدد المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي مجدداً، ولكن من دون موافقة مجلس الإدارة هذه المرة الذي يُفترض أن يعطي موافقته حتى يتم صرف الاعتمادات لصالح الشركة. امتنعت الإدارة عن الدفع في المدة الإضافية التي قررها المدير العام، واستمرت الشركة بالعمل 8 أشهر، إلى أن توقفت عن العمل في منتصف كانون الأول من العام المنصرم. وعلمت «الأخبار» أن رئيس الجمهورية ميشال عون اقترح أن تتولى المديرية العامة للأمن العام تصريف الأعمال التي كانت تقوم بها شركة IDS إلى حين إجراء مناقصة، في مسعى لحل أزمة الضمان. لكن كركي رفض ذلك مدعياً أن لا مشكلة في المركز وأنه بصدد معالجة الوضع بشكل جذري.
الواضح هنا، على ما تقول مصادر مطلعة، أن كركي كان يعوّل على التمديد الروتيني للشركة نفسها. كل الإشارات تشي بذلك وضمنها عدم تكليف نفسه عناء إعداد دفتر شروط ومناقصة قبيل أشهر من انتهاء العقد حتى يتجنب أي خلل في آلية العمل. فيما يربط البعض بين كركي ومن يدير الشركة وانتمائهما إلى الحزب نفسه، أي حركة أمل. لكن لما وُضع الأخير أمام معارضة من مجلس الإدارة، انبرى بإعداد دفتر شروط منذ ثلاثة أشهر فقط، ورفعه إلى اللجنة الفنية لتضع ملاحظاتها عليه.
اللجنة رفعت الدفتر بدورها إلى مجلس الإدارة بعد دراسته، فرفضه المجلس لافتقاده إلى المهنية «ولأنه مُعد على قياس شركة IDS إياها». وكركي التقى يوم أمس وزير العمل كميل بو سليمان الذي يقول بعض أعضاء المجلس إنه جزء من هذه الصفقة، واتفق الرجلان على عرض التمديد مجدداً لشركة IDS ثلاثة أشهر إلى حين إجراء مناقصة، قالت المصادر إنها مختلفة عن التي أعلن عنها كركي نفسه في 21 من الشهر الجاري. «الأخبار» حاولت الاتصال بكركي إلا أنه لم يجب. صفقة كركي – بو سليمان لا تحول دون السؤال عمّ دفع مجلس الإدارة إلى الاستفاقة الآن بعد موافقته ضمنياً على تمديد عقد الشركة لعشر سنوات ماضية وصرفه الاعتمادات لها براحة، ومن دون مطالبة بإعداد مناقصة أو حتى مراقبتها لتطبيق دفتر الشروط وإعدادها مركزاً للمعلوماتية داخل الضمان وتجهيزه بموظفين لتسلم العمل؟ وعمّ حال دون رفع أعضاء المجلس الصوت منذ انتهاء العقد الأخير وسكوتهم ضمنياً عن «التمديد الشفهي» الذي حصل؟. كل ذلك يقود إلى استنتاج أساسي هو «الخلاف على تقاسم الحصص» وليس الحرص على المال العام والشفافية بالطبع. معارضة المجلس قوبلت بإعلان كركي عن مناقصة بتاريخ 21 من الشهر الجاري وفق دفتر شروط جديد لم يعرضه لا على اللجنة الفنية ولا على مجلس الإدارة. تشير مصادر مقربة من كركي إلى أن الأخير «فضّل القفز فوق المجلس لأن بعض الأعضاء يصرّون على العرقلة. فالتصويت على أي قرار يحتاج إلى 14 صوتاً بات يتعذّر تأمينها بعد أن فقد المجلس جزءاً من أعضائه بسبب الوفاة، وجزءاً آخر بالاستقالة، فيما أعلنت مجموعة مقاطعتها للجلسات.
وعليه، أصبح القرار بيد 3 أو 4 أعضاء فقط، يعترضون على أي شيء، فيُسقطون التصويت، لأن عدد الأعضاء الحاضرين لا يتخطى الـ16 أو الـ 18 بأفضل حالاته». في ما عدا أن القانون «يتيح للمدير العام إجراء المناقصة من دون العودة إلى مجلس الإدارة. المشكلة الرئيسية هنا تتعلق بفتح اعتماد بقيمة المبلغ المتوافق عليه والذي يحتاج إلى قرار من المجلس». على المقلب الآخر، تشير مصادر المجلس إلى أن «كركي هو الذي يسعى للعرقلة والتفرّد بالقرار عبر امتناعه عن عرض دفتر الشروط الخاص بمناقصة من هذا الحجم علينا. اكتفى بإبلاغنا بالتواتر أنه أخذ بملاحظاتنا وعدّل الدفتر الجديد على هذا الأساس». أما أبرز الشروط التي اعترض عليها مجلس الإدارة سابقاً فهي: 1- أن تكون الشركة قد أنجزت أعمالاً بقيمة 3 مليارات ليرة لبنانية خلال السنوات الثلاث الماضية. 2- أن يكون لديها 45 موظفاً مسجّلين في الضمان. 3- أن تكون مسجّلة في السحل التجاري منذ 10 سنوات.
حتى الساعة، لم يتخذ كركي قراراً نهائياً في ما إذا كان سيعمد إلى إجراء المناقصة في موعدها أي يوم الثلاثاء المقبل، أو يؤجلها إلى حين إيجاد صيغة ترضيه وترضي مجلس الإدارة. وإلى ذلك الحين، يتوقع البعض حصول المزيد من الأعطال في المراكز الموزّعة على المناطق والتي يقارب عددها الـ40 مركزاً، وفي المركز الرئيسي أيضاً، الأمر الذي يهدد تسيير شؤون المرضى، صرف التعويضات، وقاعدة البيانات بأكملها. هناك من يطالب اليوم بتكليف إدارة المناقصات إجراء هذه المناقصة عطفاً على كل المناقصات الكبيرة في المؤسسات العامة التي تسلك هذا المنحى. علماً أن نظام الضمان مستقل ويعقد مناقصاته في المديرية الإدارية، وهنا أصل الخلاف، فبعض من في الادارة يتحدث عن «فقدان الثقة بهذه المديرية التي تشكل وكركي حلفاً واحداً بمصالح مشتركة».