طويلًا، راهن الرئيس المكلف حسان دياب على قدرته على “استمالة” ثوار 17 تشرين إلى معسكره، بعدما بادروا باكرًا إلى إطلاق السهام الرافضة لتكليفه، بتأكيده أنه سيشكل حكومة اختصاصيين مستقلين تماما عن الأحزاب السياسية، طبقا لما يطالب به المنتفضون منذ ما يقارب المئة يوم. غير أن رياح شهية الاستيزار وتصفية الحسابات السياسية جرت بما لا تشتهي سفن الرئيس المكلف، بدليل أن مختلف القوى الدائرة في فلك 8 آذار تدخلت في تسمية “اختصاصيين مستقلين”، ما يعني أن الحكومة العتيدة ستكون من لون واحد، مهما حاول القيمون على طبخها تجميل هذه الصورة، على ما تشدد عليه أوساط سياسية سيادية عبر “المركزية”، مذكرة بأن دياب أعطى إشارات عدة إلى صموده في موقعه لأسباب عدة أولها توجيه الرسائل المباشرة إلى زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري والشارع السني، لجهة قدرته على تنفيذ مهمته، متجاوزًا غضب الشارع ومكتفيًا بجرعة دعم “حزب الله”، الساعي، بحسب المصادر السيادية عينها إلى المضي في إحكام السيطرة على مفاصل القرار الرسمي”.
غير أن الأوساط تلفت إلى أن الأهم يكمن في أن ولادة الحكومة وفقًا “للمخطط الجاري وضع اللمسات الأخيرة عليه تؤكد أن طابخي التشكيل رسبوا في امتحان استقلالية الوزراء عن القوى السياسية، التي ما كان من المفترض أن تتدخل في التسميات”.
وتعتبر الأوساط السيادية أن في أروقة الأكثرية الحاكمة من يتجاوز الدستور والأعراف واتفاق الطائف، لا لشيء إلا لتصفية حسابات سياسية مع بعض الأطراف، بدليل التنسريبات التي تفيد بأن وزارة الداخلية قد تؤول إلى عميد متقاعد يعتبره البعض محسوبا على الضاحية. ولا يخفى على أحد أن بين سطور هذه الخطوة سهما مباشرا من الضاحية في اتجاه بيت الوسط.
ولا تخفي الأوساط، مخاوفها، إزاء احتمالات مبادرة بعض القوى القيّمة على الحكومة إلى وضعها في مواقف صعبة لتطيير بعض كبار الموظفين والمسؤولين في الدولة اللبنانية، لافتة إلى أن الرئيس سعد الحريري التقط باكرًا الإشارات المخيفة إلى هذا التوجه، وأعلن بوضوح أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يتمتع بحصانة ولا أحد يستطيع إقالته. كذلك، حذر الحريري من مغبة المسّ بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، غداة ليلة من المواجهات العنيفة بين عناصر مكافحة الشغب ومتظاهرين أمام ثكنة الحلو، لم تخل من استخدام العنف الذي لم يسلم منه الصحافيون والمراسلون والمصورون. وإذا كان البعض يعتبرون سلامة وعثمان من الوجوه المحسوبة على الحريرية السياسية، فإن الأوساط تكشف لـ “المركزية” أن مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد هيل كان نبه المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم أخيرًا في بيروت أن بلاده رسمت خطوطًا حمر حول بعض المواقع وشاغليها، تفاديًا لتعريض لبنان للعقوبات القاسية، خصوصًا في ما يتعلق بمسار مؤتمر سيدر والمساعدات الموعودة. وفي الانتظار، ترصد العين الدولية بكثير من الترقب والدقة البيان الوزاري للحكومة الموعودة، خصوصًا لجهة تعهدها بالتزام سياسة النأي بلبنان عن صراعات المحاور الإقليمية.