إذا كان من وصف يُطلق على شارع الحمرا الذي شهد منذ يومين اشتباكات بين القوى الأمنية والمتظاهرين، فـ”ساحة الحرب” أفضل تعبير بالاستناد إلى حجم الأضرار وأعمال الشغب التي طالت أملاكًا عامة وخاصة تعكس “حقدًا دفينًا” تجاه هذا الشارع الذي يُشكّل بتنوّع سكانه واجهة أساسية للعاصمة بيروت.
فعلى أحقية “غضب” اللبنانيين تجاه الإجراءات المتشددة التي تُطبّقها المصارف، باعتبار أن شارع الحمرا يعجّ بفروع معظمها والتقنين الذي تفرضه على عمليات السحب النقدي، إلا أن ما حصل في وسط العاصمة منذ أيام وما خلّفه من أضرار جسيمة بواجهات المصارف والمحال التجارية فضلًا عن العدد الكبير في جرحى القوى الأمنية لا يُبرّر ما حصل مهما كانت دوافعه ومسبّباته.
وانطلاقًا من قول الرئيس سعد الحريري في معرض إدانته لأعمال الشغب في شارع الحمرا أن “الأمر يتعلق بهجمة تستهدف بيروت ودورها كعاصمة ومركز اقتصادى معنى بأرزاق جميع اللبنانيين”، سألت أوساط سياسية مراقبة عبر “المركزية” عن “الهدف وراء ما جرى وهل من خطة وضعتها جهات معيّنة أرادت توجيه رسائل سياسية من خلال شارع الحمرا بالذات في اتّجاه قوى سياسية وأشخاص محددين مضمونها أننا “قادرون على حرق الأخضر واليابس إذا لم تسيروا بما نريد ولم تُنفّذوا ما نطلب منكم”؟
فإذا كانت بيروت عاصمتنا جميعًا كما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري في سياق إدانته لأعمال الشغب والتكسير، لماذا هذا “الحقد” تجاهها؟ تضيف الأوساط “وهل من مخطط لاستغلال مطالب الثوّار المحقّة لغايات في نفس جهات تريد إرسال إشارة “نارية” إلى الخصوم في السياسة بأن “الأمر لي” وأن بوصلة وجهة الشارع في يدي”.
وفي معرض التساؤل عن معاقبة مثيري الشغب أو من يوصفون بـ”المندسين”، تسأل الأوساط السياسية: “لماذا هذا الكمّ من الرغبة في التخريب والتكسير في شارع الحمرا في وقت أن الثورة في مناطق أخرى كطرابلس وعكار وصيدا وبعلبك تحافظ على سلميتها وحضارتها ولا تزال مطالبها نفسها منذ اليوم الأوّل على انطلاقتها وتُنظّم فيها وقفات احتجاجية سلمية أمام المصارف ومحال الصيرفة والمؤسسات العامة”؟
وعلى قول بري أيضًا: “إذا كان الحراك بهذا الشكل فهو لا حراك ولا ثورة”، أشارت الأوساط إلى أن “هناك فريقين في الشارع، واحد يُمثّل الصورة الحقيقية للثورة ويُعبّر بطريقة حضارية وسلمية عن مطالبه المحقّة ويوجّه بوصلة تحرّكاته السلمية في اتّجاه الأماكن التي يعتبرها “بؤر فساد”، في مقابل فريق أخر لا يفهم من الثورة سوى أعمال الشغب والتكسير والاعتداء على الأماكن العامة والخاصة ضد مناطق دون سواها لها رمزيتها، وإبطاله معروفون بالهوية السياسية مهما حاولوا الاختباء خلف بيانات الاستنكار”.
أما القوى الأمنية التي كان لها نصيبها من “غزوة الحمرا” بسقوط عشرات الجرحى في صفوفها، فذكّرت الأوساط بقول المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عثمان في المؤتمر الصحافي الذي عقده لشرح ملابسات ما حصل “بأن القوى الأمنية لكل المواطنين ومهمتها الأساسية حمايتهم”، فلماذا الاعتداء على عناصر أمنية دورها منع التعدّي على الأملاك العامة والخاصة”؟
على أي حال، إذا كان الموقوفون في حادثة “غزوة الحمرا” قد أطلق سراحهم تباعًا، يبقى السؤال المشروع بحسب الأوساط المراقبة “من يعّوض الخسائر التي لحقت بأصحاب المحال التجارية والمصارف التي تلقت في نصيبها “وعالتقيل”؟ ولمَ لا تتم محاسبة هؤلاء المشاغبين-المخرّبين وإنزال أشدّ العقوبات بهم كي يكونوا عبرة لغيرهم ممن “يدّعون” أنهم يدافعون عن حقوقهم المسلوبة من المصارف في حين أنهم يسرقون العناوين والشعارت النبيلة لثوّار انتفاضة 17 تشرين” ويشوّهون صورتها”؟ وماذا عن المندسين من غير اللبنانيين الذين شاركوا في ما حصل في شارع الحمرا كما تردد. هل سيتم الكشف عنهم وتوقيفهم”؟