كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:
لم يحصل أن بلغ ملف تشكيل الحكومة هذا المستوى من الإيجابية الذي بلغه أمس. وفيما كان الدخان الأبيض يتصاعد من “عين التينة” كانت وصلت الى وسائل الإعلام مسودة أولية للحكومة لم تكن دقيقة بالكامل رغم أن غالبية الاسماء التي تضمنتها كانت صحيحة بالفعل. لكن “كلما رقعت فتقت”، ففي آخر ساعات الليل برزت عقد جديدة تمثلت في مطالبة “المردة” بحقيبتين واعتراض “الحزب الديموقراطي” على الحقيبة المسندة اليه، معطوفة عليها مطالبة البعض بتبديل في الحقائب ما ينذر بتأخير الولادة مجدداً لأيام قبل أن يصبح “الفول بالمكيول”.
على امتداد أكثر من ساعتين، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري الرئيس المكلف حسان دياب في “عين التينة” في حضور الوزير علي حسن خليل. اللقاء الذي وصفته مصادر “عين التينة” بالايجابي، غادر بعده دياب من دون الادلاء بأي تصريح، في حين أعلن خليل: “نحن على عتبة تأليف حكومة جديدة وحققنا تقدماً كبيراً وهي حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً تعتمد معايير موحدة ونأمل الانتقال إلى التأليف في أسرع وقت”. وعُلم أنّ بري أبلغ دياب نيته استبدال بعض الحقائب بأخرى من دون أن يسلمه الأسماء المقترحة لتوليها. وكانت النقطة الخلافية بين بري ودياب مطالبة بري بجمع حقيبتي الدفاع والثقافة كي يتبقى مقعدٌ للحزب القومي السوري وهو الأمر الذي رفضه دياب.
وفيما كان المتوقع أن يتوجه دياب مباشرة الى قصر بعبدا لاطلاع الرئيس ميشال عون على ما تم الاتفاق عليه مع الرئيس بري ومسودة التشكيلة الحكومية التي حملها، لم يلتق دياب رئيس الجمهورية في وقت غابت عن قصر بعبدا مؤشرات إعلان قريب للحكومة، وذكرت مصادر مقربة أن زيارة دياب إلى عون سيسبقها لقاء يعقده مع وزير الخارجية جبران باسيل لوضع اللمسات الاخيرة على توزيع الحقائب، مشيرةً إلى أنّ “التشكيلة الحكومية أنجزت تقريباً لكنها تخضع إلى تعديل في بعض الأسماء والحقائب لا سيما في الداخلية والاقتصاد”.
ورست الحكومة على 18 وزيراً (بينهم أربع وزيرات) حسمت الحقيبة الدرزية من حصة طلال ارسلان بعد أن رفض الرئيس المكلف رفع العدد إلى عشرين أو أربعة وعشرين وزيراً، الأمر الذي حال دون تمثيل “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي كان رضي رئيسه وليد جنبلاط بحقيبة من حصته لوليد عساف الذي عاد واعتذر، فرست الحقيبة على رمزي مشرفية من حصة طلال أرسلان وهو الأمر الذي رضخ له فريق الثامن من آذار رغم ميلهم إلى تمثيل جنبلاط.
لقاء عين التينة
رجّحت مصادر “الثنائي الشيعي” ولادة الحكومة اليوم بعد حسم مسألتي العدد والشكل، والاتفاق على حكومة تكنوقراط وليس حكومة تكنو – سياسية وهو ما أصر الرئيس المكلف عليه وسار به الجميع لاقتناعهم أن لا بديل عن دياب وهو ما أبلغه بري لباسيل خلال اجتماعهما الأخير بعد أن شكا الأخير دياب قائلاً: “عم يتعّبنا كثير”، ليرد عليه بري: “الحريري عودته غير ممكنة ولا بد من دياب”.
خلال لقاء “عين التينة” طالب بري بتغيير بعض الحقائب، من دون أن يسلم الرئيس المكلف الأسماء المقترحة لتولي الحقائب، ليبقى غازي وزني الوزير المرشح الشيعي الوحيد المعلن عنه فيما بقية الأسماء لم تخرج من دائرة التخمين ومن بينها الدكتور عبد الحليم فضل الله الذي تردد أن “حزب الله” قد يتراجع عن تسميته لحساسية داخل الحزب تتعلق بأفضلية التنويع في الاختيار.
قبل الرئيس المكلف التراجع عن توزير ست سيدات في الحكومة، وهو أمر نصحه بري بالتراجع عنه لأنه سيعني عملياً وجود ست وزيرات من حصة المسيحيين، خصوصاً أن لا سيدات من ضمن حصة المسلمين.
ومن ضمن التنازلات وعمليات تدوير الزوايا التي حصلت، اقتناع الرئيس المكلف باستحالة ان يكون من ضمن حصته وزير شيعي، في حين حصل على وزير ماروني هو دميانوس قطار لحقيبة العمل بعد اقناعه بأن الحقيبة ليست هي الهم وإنما الأهم وجود الشخص من ضمن فريق عمله.
وبينما كانت المعلومات لا تزال تؤكد أن عقدة الثلث الضامن التي يطالب بها باسيل هي التي تحول دون إعلان ولادة الحكومة، نفت مصادر باسيل الأمر وقالت: “لا مشكلة تعتري أسماء الوزراء المسيحيين وتوزيع حقائبهم، المشكلة لا تزال في مكان آخر”. في الموازاة لم يسلّم الثنائي الشيعي أسماء وزارئهما بالكامل بعد، فيما برزت ليلاً عقدة “تيار المردة” الذي أعلنت مصادره عزوفه عن المشاركة في حكومة “فيها وجوه مغطاة وهي لباسيل”. وعلم أن “المردة” بعد أن كان قبل بحقيبة واحدة عاد وطالب بحقيبتين رافضاً اقتراحاً تقدم إليه بأن ينال ممثله وزارتين بدل واحدة، وكذلك فعل النائب طلال ارسلان الذي رفض الحقيبة المعروضة عليه، وقيل إن الحزب “القومي” اعترض على عدم تمثيله أيضاً. وطالب بتوزير أمل حداد نائباً لرئيس الحكومة.
وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس كان الرئيس المكلف لا يزال يعمل على حلحلة بعض التفاصيل المتعلقة بتوزيع الحقائب على التيارات السياسية المشاركة،على أمل أن يُتوّج لقاؤه المتوقع مع باسيل بالإيجابية التي تحمله برفقة اللائحة النهائية لأسماء الحكومة إلى قصر بعبدا وتصدر بعدها مراسيم تشكيل الحكومة رسمياً. ألّلهم إلا إذا تعثرت مجدداً، خصوصاً مع الخلاف الذي طرأ أيضاً على تسمية وزير الداخلية، حيث رفض دياب اقتراح طلال اللادقي واتصل بمحمد حبلي من “طريق الجديدة” عارضاً عليه المنصب، بينما تردد لاحقاً أن الارجحية هي لتوزير العميد المتقاعد محمد فهمي في حقيبة “الداخلية والبلديات”.
ومن عقد الساعات الاخيرة البيان الوزاري، واذا صدقت التوقعات وأعلنت الحكومة فسيكون موضوع البيان الوزاري مبتوتاً، ذلك أن مصادر عليمة استبعدت أن يكون هذا الموضوع مادة خلافية لأنه في الاساس سيكون بياناً يغلب عليه الطابع الاقتصادي، مستعيناً بالبنود الاصلاحية التي سبق وأعلنها الرئيس سعد الحريري في حكومته الأخيرة على أن يبقى البند المتعلق بالمقاومة مشابهاً للصيغة الواردة في بيان الحكومة السابقة.