Site icon IMLebanon

لبنان المتروك لمصيره ينتظر تحوّلات داخلية.. والرهان على الشارع!

كتبت رلى موفق في “الاخبار”:

دول الخليج في موقف المتفرج… والأوروبيون يريدون خطوات مشجعة… وأميركا ستواصل حربها على «ذراع إيران»

في بورصة التوقعات، ارتفاع منسوب التفاؤل بتأليف قريب للحكومة تعكسه اندفاعة في أوساط الفريق السياسي الذي أتى بحسان دياب رئيساً مكلفاً لتأليف الحكومة. «حزب الله» أوكل عملية ترتيب إخراج الحكومة لشريكه في «الثنائي الشيعي» نبيه بري. وهي وكالة تمليها ضروراته الراهنة نتيجة انشغاله في تداعيات اغتيال قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني على مواقع نفوذ إيران في المنطقة في المواجهة المفتوحة مع أميركا، وحاجته للابتعاد عن الإدارة المباشرة للملف الداخلي فيما الضغوط الدولية تزداد عليه، والاتكاء على دور بري في «البعد الوطني».

زار رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل عين التينة، فسمع من بري موقفاً حازماً بأن السياسة التي يتبعها حيال البحث عن كيفية سحب التكليف من دياب هي مشروع حرب أهلية، وأنه لن يسير بهذا المسار المدمر، فهو أصلاً لم يهضم بعد الانقلاب السياسي الذي حصل على سعد الحريري، وإن كان يعتقد أن الأخير لم يجاريه لإبعاد هذا الكأس، ويدرك جيداً نتائج التغوّل في التلاعب بالتوازنات الوطنية. أخرج بري عدة الشغل، فلوّح بحكومة تصريف الأعمال، ولم يكن صعباً تصحيح إيقاع علاقته مع الرئيس المكلف، فيما العمل جار على تدوير الزوايا بين دياب وباسيل حول أسماء الوزراء المسيحيين. والحديث يجري عن توجه لدى الاثنين للذهاب نحو حلول وسطية تفتح الطريق أمام عملية التشكيل.

فثمة من يرى أن تأليف الحكومة أصبح هو الأولوية. فبفعل تصدّع المنظومة السياسية في البلاد، أضحت الشكوى الرئيسية لدى الجهات الدولية أن ليس هناك مَن يمكن مخاطبته. الانطباع أن رئيس البلاد في واد آخر عما يحدث على أرض الواقع والمخاطر التي ستترتب على السقوط الحتمي المالي والاقتصادي، وأن أداء الأطراف المعنية بتأليف الحكومة لا يرقى إلى مستوى هذه المخاطر وينم عن قصر نظر وعن حسابات ضيقة وعجز وقصور في تحمل المسؤولية، بدل أن يكون هاجسها كيفية وقف تدحرج الانهيار المالي والاقتصادي السريع وتبعات الفوضى التي سيحدثها على الأمن الاجتماعي، وكيفية الإصغاء للشارع الذي لم يعد لديه ما يخسره.

التدقيق في مجريات الأمور يؤول إلى الاستنتاج بأن حالاً من «الانفصال الكلي عن الواقع» يطبع الفريق السياسي الذي يُشكّل الأكثرية الممسكة بالبرلمان بأطيافه المتعددة الحسابات. فالانهيار الذي ينتظر لبنان واللبنانيين كان يُفترض أن يُشكل جرس إنذار لممارسة سياسية من نوع آخر، تدفع في اتجاه تكليف مختلف وتأليف حكومة إنقاذية قادرة على أن تعيد الثقة للداخل وللخارج الذي وصل إلى اليأس من الطبقة السياسية الحاكمة، ما حدا بالمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش إلى الخروج عن طور اللياقة الدبلوماسية حين غرّد عبر «تويتر» مخاطباً السياسيين في لبنان بأن «يلوموا أنفسهم على هذه الفوضى الخطيرة، وسط ازدياد الاحتجاجات الغاضبة وسقوط الاقتصاد الحر».

بدا واضحاً أن المجتمع الدولي يضغط في اتجاه تأليف الحكومة، ولكن بمعايير يجب أن تراعيها إذا كانت ستكسب ثقة الدول الداعمة للبنان. ما يقوله القريبون من دياب أن الحكومة محسومة لجهة أنها لن تضم حزبيين بل اختصاصيين مستقلين، من دون أن يعني ذلك أن لا أهواء سياسية عندهم، وهذا أمر طبيعي، لكن المهم أنهم سيكونون فريقاً حكومياً واحداً يُنفّذ خطة إصلاحية واتخاذ اجراءات هدفها واضح، وهو تأمين الهبوط المريح للسقوط الحتميّ. فليس هناك من أوهام لدى أحد بأن لبنان يمكن إنقاذه من الانهيار، لكن المطلوب فقط هو تخفيف حدة صدمة الارتطام، بحيث يستطيع لاحقاً أن يشق طريقه نحو إعادة الصعود من القعر.

ما هو مقلق أن المؤشرات الآتية من دول القرار تحمل الكثير من السلبية في توقعاتها حيال مستقبل لبنان. ربما الأوروبيون لديهم حماسة أكثر من غيرهم، لكنهم يريدون خطوات مشجعة تجعلهم يُقْدمون، فيما الدول الخليجية تقف في موقف المتفرج. البعض منهم ينتظر ليرى ماذا ستحمله حكومة دياب، رغم أنه يعتبرها حكومة فريق من اللبنانيين، وبتعبير أدق حكومة محور إيران في لبنان، ويعتبر أن أي مساعدة مباشرة للحكم فيه معناها تأمين عناصر قوة وديمومة للقوى المسيطرة عليه، ولا سيما «حزب الله» بما يشكله من ذراع إيرانية، فيما المواجهة مفتوحة مع طهران ودورها السلبي في المنطقة وطموحات تمددها.

أما الولايات المتحدة الأميركية، فإن تركيزها هو على دعم الجيش اللبناني لما يشكله من ضمانة لبقاء الدولة، وعينها على حماية أمن التحركات الشعبية. لكن ليس لديها أي خطة داخلية للبنان لجهة التعامل مع تفاصيل ملف الفساد وأزمته المالية والاقتصادية الراهنة، فيما حربها ضد «حزب الله» ستستمر من خلال فرض العقوبات عليه، أفراداً وكيانات، والعمل على تجفيف مصادر تمويله والتضييق عليه، ومحاسبة أي جهة تخرق هذه العقوبات.

ما يمكن قوله إن لبنان سيكون متروكاً لمصيره في المدى المنظور إلى حين أن تظهر في الأفق بوادر تحوّلات داخلية قد يسهم الشارع في بلورتها، وقد تشق طريقها إذا استطاعت القوى السياسية التي ستتبلور أكثر قوتها في المعارضة من توحيد صفوفها والعمل على إعادة نوع من التوازن!