أشار رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة إلى أن “هناك تعثرا كبيرا يواجه عملية تأليف الحكومة، ولذلك الأمر انعكاساته على الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية، وكذلك على تصرفات الحراك الشبابي، ما يساعد على اندساس عناصر عديدة مدفوعة من جهات سياسية تريد التخريب، من أجل تشويه سمعة شباب الانتفاضة وحرف اهتمامات المواطنين عن التنبه إلى المشكلات الأساسية وعن الدور المعطل والمدمر الذي تلعبه الأحزاب السياسية والطائفية في الوصول الى هذا الواقع السيئ”.
وقال السنيورة، في حديث لقناة “الحدث”: “ان الاجتماع الذي يعقده رئيس الجمهورية مع قادة القوى العسكرية والأمنية هو للنظر في كيفية التصدي لتصرفات المتظاهرين وتعدي البعض منهم على الأملاك العامة والخاصة، وانعكاسات ذلك كله على الأوضاع الأمنية العامة. لكن عقد هذا الاجتماع ربما يستطيع أن يعالج مظاهر المشكلات وليس أسبابها والحقيقية، فالأسباب الأساسية سياسية وتعود مباشرة إلى التعثر الحقيقي في تأليف الحكومة من قبل من يتولون القيام بذلك. هذا بالرغم من ان الرئيس سعد الحريري قد تنحى عن هذا المشهد المتعلق بتأليف الحكومة وهو الآن بانتظار، كما جميع اللبنانيين، ما سوف ينجم عن الاتصالات التي يقوم بها الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية ومع باقي المجموعات السياسية من أجل التأليف. والمشكلة التي نراها أمامنا اليوم، هي في استمرار الاستعصاء، وفي الذهنية والمقاربة المبنية على الاستئثار والمحاصصة التي يمارسها من بيدهم السلطة”.
وأضاف: “هنا يتركز الفشل الحقيقي لجهة عدم التوافق في ما بين أبناء الصف الواحد، وهم جميعا ممن ينتمون الى فريق الثامن من آذار، والتي هي بجوهرها تتمثل بفريق الرئيس ميشال عون و”حزب الله”. وهؤلاء وكما يظهر، هم غير قادرين، وحتى الآن، على التوصل الى التوافق في ما بينهم بسبب تمسكهم بمصالحهم وبنفوذهم وسلطتهم، وإلى جانبهم عدد من الأحزاب السياسية الصغيرة، والتي هي جميعا من ضمن مكونات فريق الثامن من آذار، وذلك للاتفاق في ما بين بعضهم بعضا على تقاسم الحقائب الوزارية. إلا أن الأمر بالفعل لا يقتصر على تلك الأسباب فقط، وأنا أميل إلى الظن بأنهم يخشون تأليف الحكومة لأن ذلك سيضعهم مباشرة في مواجهة المعضلات الأساسية التي يعاني منها لبنان وفي مواجهة تلبية توقعات المواطنين اللبنانيين منهم. وهم في ذلك سيكونون بحاجة إلى قدر كبير من الشجاعة من أجل اجتراح الحلول الحقيقية، وتخوفهم هذا يدفعهم إلى المزيد من التلكؤ في التأليف، ربما بانتظار تبلور مستجدات محلية أو إقليمية”.
ورأى أنه “كان ينبغي على الدكتور حسان دياب، إذا كان يريد بالفعل ان يقوم بعمل يحظى بموافقة المتظاهرين من شباب الانتفاضة والأعم الأغلب من اللبنانيين، وكذلك من المجتمعين العربي والدولي، أن يتقدم ويلتزم بما طالب به شباب الانتفاضة بداية، أي بمجموعة متضامنة تستطيع أن تعمل كفريق عمل، من الاختصاصيين المستقلين بالفعل وليس بالاسم. فالدكتور دياب الرئيس المكلف يخطئ عندما يقدم مجموعة من الأسماء المقترحة للتوزير ممن هم بالفعل مستشارون لأعضاء الحكومة السابقة أو أعوانهم، أو بأسماء مجموعة من الأشخاص المنتمين لتلك الأحزاب والقيادات. وهؤلاء عندما يصبحون وزراء في الحكومة الجديدة سيكونون مضطرين ان يراجعوا رؤساء احزابهم بكل صغيرة وكبيرة، أي أنهم لن يكونوا مستقلين. وهذا الأمر يثير غضب الناس ويتصرف البعض من شباب الانتفاضة بعصبية أو بعنف، إذ يمكن تفهم بعض هذا الغضب ولكن مرفوض أن يتحول هذا الغضب إلى عنف مادي جملة وتفصيلا، ومرفوض أن يتم التعبير عن هذا الغضب بالتدمير والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة”.
واعتبر السنيورة أن “القسم الأكبر من العنف الحاصل حتى الآن ويتم عبر تحطيم الاملاك العامة والخاصة وبشكل انتقامي يحصل نتيجة اندساس عناصر مخربة مدفوعة من مجموعات سياسية لا تريد الخير للبنان ولا للبنانيين ولا لشباب الانتفاضة”، لافتا إلى أن “في الطرف الآخر، هناك حالة الغضب لدى شباب الانتفاضة التي تفاقمها الاوضاع المعيشية المتفاقمة، ولاسيما في المناطق البعيدة عن العاصمة، وبالتالي نشهد الآن اشخاصا لبنانيين من مناطق نائية في الشمال والشرق والجنوب يحضرون الى بيروت ويعبرون عن غضبهم، والبعض يعبر بطريقة عنفية. هذه الممارسات كلها مرفوضة، إذ ليس هكذا تعامل عاصمة لبنان والتي هي عاصمة كل اللبنانيين. ليس ذلك فقط، ثم أن هذا العنف سيسهم في إجهاض الكثير من فرص وإمكانات المستقبل للجميع، ولاسيما للأقل حظوة في المجتمع اللبناني”.
وشدد على أنه “يجب التوجه نحو تأليف حكومة حقيقية من اختصاصيين مستقلين بالفعل وليسوا تابعين للأحزاب السياسية التي فشلت خلال السنوات القليلة الماضية في إيجاد حلول للمشكلات السياسية والاقتصادية والمالية، ولم تستطع ان تحظى بثقة اللبنانيين، بل كان هناك انحسار كبير في مستويات الثقة بين المواطنين وأهل الانتفاضة من الشباب من جانب والحكومات اللبنانية والمجتمع السياسي في لبنان من الجانب الآخر. لذلك، الحاجة الآن هي لإيجاد حكومة تكون بأعضائها قادرة على أن تبدأ باستعادة الثقة. ولكن الأمر لا يقتصر على وجود هذه المجموعة من الوزراء فقط، بل يتخطى هذا الشرط الضروري لجهة الأعضاء الأكفاء والمستقلين، إلى ما ينبغي على الحكومة أن توضحه وتلتزم به وتعمل من أجله، في ما يتعلق بمهمتها وأهدافها وطرق معالجاتها للمشكلات، وأيضا لبرامجها التنفيذية التي عليها القيام بها لتتمكن من استعادة ثقة اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي. على هذه الحكومة واجب القيام بجملة من الإصلاحات التي كان ينبغي القيام بها منذ سنوات، في ظل استعصاء مستمر وتلكؤ عن القيام بها من قبل معظم المجموعات السياسية والأحزاب الطائفية والمذهبية”.
وأكد “ضرورة أن تبادر الحكومة الجديدة إلى مصارحة اللبنانيين بالمشكلات بصدق وجرأة، وان تبدأ بإجراء المعالجات من ضمن تصور واضح للعملية الإصلاحية برمتها. كما عليها أن تبدأ بتصحيح الخلل في التوازن الوطني والسياسي الداخلي وفي السياسات الخارجية بما يؤدي الى تمكين الحكومات اللبنانية من استعادة الثقة من المجتمعين العربي والدولي”.
وقال: “هناك متغيرات أساسية قد حصلت، فلبنان ما بعد 17 اكتوبر غيره الآن، وعلى الجميع ان يتعامل معها بصدق وشفافية وجرأة. إذا استمر التجاهل والإنكار، فإن حالة الغضب عند المواطنين سوف تستمر وتتفاقم وتؤدي الى المزيد من التداعيات والانعكاسات السلبية، والمزيد من العنف لدى العديد من الشباب، بعضهم عن حسن نية وعن ضيق بما جرى ويجري، وبعضهم الآخر عن سوء نية بكونه مدفوعا من جهات سياسية لها مصلحة في ذلك. هذا الامر غير مفيد للجميع، يجب على هذه المجموعات السياسية ان تدرك بأنها هي وجميع المواطنين على متن سفينة واحدة تتعرض لأعاصير عاتية تلحق الضرر ليس فقط بالسفينة التي أصبحت بالفعل مشرفة على الغرق”.
وتابع: “إن الاستمرار في عدم المبادرة من قبل بعض المسؤولين إلى إجراء الاصلاحات الحقيقية التي يحتاجها لبنان، فإنهم بذلك يؤدون أنفسهم ويؤذون مواطنيهم ووطنهم. وهم يتسببون، بسوء تبصرهم وتقاعسهم، بمخاطر كبيرة تلحق بلبنان وبجميع اللبنانيين”.
وختم: “لقد تراكمت هذه الأخطاء على مدى السنوات القليلة الماضية والوضع أصبح معرضا الآن الى المزيد من التفاقم، وإذا لم تدرك القيادات هذه الحقيقة المرة وتستمع الى صوت الناس ثم تبادر فعليا إلى تأليف حكومة تستطيع بأعضائها وبأهدافها وبرامجها أن تحظى بثقة المواطنين، فإننا مقبلون على مشكلات كبيرة جدا في لبنان”.