كتب سامي نادر في “نداء الوطن”:
لم يعُد طرح إعادة جَدْوَلة الدَّين العام من المحرّمات. ولم تعُد إثارة الموضوع أو النطق به يثيران عاصفة سياسية تؤدّي إلى هروب الرساميل الى الخارج. بل أصبح أمراً واقعاً فرضته التطورات الأخيرة على المستويين المالي والإقتصادي، ولا خوف من تداعياته على الوضع النقدي بعدما هرب من الأموال ما هرب، وبعدما فرضت التدابير الكابيتال كونترول التي قنّنت السحوبات وجمّدت التسليفات إلى الإقتصاد بكافة أشكالها.
والسؤال البديهي الذي يفرض نفسه: من أين تأتي الدولة بالسيولة لتسديد ديونها السيادية بعدما فرغت صناديقها، وبعدما انحسر إحتياطي البنك المركزي من العملة النادرة وفَقَدَ قدرته على مدّ الخزينة بالسيولة المطلوبة، لإيفاء مستحقات اليوروبوند والتي تبلغ 2.5 مليار دولار للعام الحالي، منها سندات بقيمة 1.2 مليار دولار مستحقة في آذار المقبل. أضف الى أن عائدات الدولة من الضرائب، خاصة بفعل الإنكماش الإقتصادي، بالكاد تكفي لدفع الرواتب ولم يعُد بالإمكان الإستدانة لتمويل فائدة الدين كما جرت العادة في الفترة الأخيرة بعد تبخّر الفائض الأوّلي وتحولّه إلى عجز هيكلي.
قيل الكثير عن أسعار الفائدة المرتفعة وتداعيات السياسة النقدية، التي خنقت الإقتصاد ولم يستفد منها إلاّ طرفان أساسيان. أولاً من استفاد ورعى الفساد وغطى على الهدر وتسبّب به، والمقصود أركان نظام المحاصصة. ومن موّل القطاع العام، متغاضياً عن الإصلاحات الضرورية لإعادة التوازن إلى المالية العامة والتأكد من قدرتها على الإيفاء، شأنها شأن أي مقترض. والحق يقال إن الأوضاع السياسية والأزمات المتتالية التي شلّت البلاد لم تدفع باتجاه تخفيض أسعار الفائدة.
أما اليوم فالفرصة متاحة كي تتحوّل “إعادة جدولة الأمر الواقع” إلى إصلاح هيكلي ضمن إصلاح بنيوي كامل، يشمل المالية العامة، مصرف لبنان والقطاع المصرفي. وذلك يكون عملياً بإرفاقها بسلّة من الإصلاحات الهادفة إلى ترشيد الإنفاق العام عبر إستعجال رفع عبء كهرباء لبنان عن كاهل الدولة، إعادة النظر بعدد العاملين في القطاع العام وبعض أنظمة التقاعد، وتفعيل العائدات الضريبية وعلى رأسها العائدات الجمركية. أما الإصلاح الآخر فيجب أن يُطاول القطاع المصرفي والنقدي، وهذا يمرّ حتماً بزيادة رسملة المصارف وإعادة هندسة القطاع وتوجيه طاقاته في خدمة الإنتاج. من دون هذه الإصلاحات، سوف تبقى إعادة جَدْوَلة الدين خطوة يتيمة ومعزولة فرضتها ظروف قاهرة، مجرّد طلقة في الهواء لن تعالج في الأمور شيئاً إنما على العكس سوف تُقفل الباب نهائياً على إمكانية الإقتراض من الأسواق يوماً ما، وتُكرّس لبنان دولة فاشلة.