موجة جديدة من حركة الاحتجاج اللبنانية على تردي الاوضاع الاقتصادية ووصول الانهيار الى كل منزل انطلقت أمس، بعد أن اتخذت صفة الثورة منذ مساء السبت مع مشهد التكسير والحرائق وسط بيروت. وبينما كانت الأنباء تتحدث عن اقتراب موعد اعلان الحكومة امس، حيث استقبل رئيس الجمهورية الرئيس المكلف حسان دياب، تحدثت مصادر اخرى عن عقبات لا تزال تعترض اعلان الحكومة رسميا.
وشهد محيط البرلمان لليوم الثاني على التالي توتّراً ومناوشات على الحاجز الذي يفصل قوى الأمن والمتظاهرين، رغم قيام الجيش بتفتيش المتظاهرين قبل دخولهم ساحة التظاهر، وتنفيذه امس، انتشاراً على منافذ الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، ومحيط الخندق الغميق. فقد استنفد المنتفضون في الموجة الأولى (17 اكتوبر2019 ـــــ 17 يناير2020) كل أشكال الاحتجاج السلمي، التي دأبوا عليها على مدى ثلاثة أشهر متواصلة: مسيرات وتظاهرات حاشدة في الساحات، سلاسل بشرية، مسيرات لنساء وأمهات ترشق بالورد وبالارز بين مناطق شهدت حروبا في ما مضى، عروضا مدنية وكرنفالات.. كل تلك المظاهر السلمية اثارت اعجاب العالم بثورة اللبنانيين، ويبدو أنها اعجبت الطبقة السياسية اعجابا ماكرا، فلم تستجب لأي مطلب من مطالب المحتجين، المتمثلة في تشكيل حكومة انقاذية من اختصاصيين مستقلين، تبادر الى وضع خطط للخروج من الازمة الاقتصادية وتمهّد لانتخابات نيابية مبكرة تعيد تشكيل السلطة.
فماذا فعلت السلطة؟
الاجابة عن السؤال تبدو بديهية لمن يعرف تركيبة المنظومة القائمة، وتاريخها وتداخل مصالحها السياسية والمالية. أسبوع الغضب المنتفضون افتتحوا الموجة الثانية من انتفاضتهم بأسبوع غضب، بدأ يوم الثلاثاء الفائت، باحتجاجات عمّت المناطق، وبقطع طرقات، واستكمل في اليومين التاليين بتحركات منظمة ضد المصارف في شارع الحمرا تحديدا، بمشاركة قوية من مجموعات يسارية وشبان ينتمون الى بيئة الثنائي الشيعي، فصبّوا غضبهم على المصارف، تكسيرا وتخريبا وإحراقا. غير ان ليلة السبت/ الأحد كانت الاشد عنفاً، فتخللتها صدامات بين القوى الامنية والمحتجين، استخدم فيها المحتجون جذوع الأشجار وأعمدة إشارات السير لمهاجمة القوى الأمنية التي ردت باستخدام خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، ما أسفر عن سقوط عدد كبير من الجرحى من الطرفين، وصل إلى 400، وفق حصيلة اعلنها «الصليب الاحمر».
شاهدي يروي
أحد الناشطين روى لـ القبس مشاهداته في تلك الليلة وسط بيروت، قائلاً انه كان ينتظر مع مجموعات صغيرة من الحراك وصول مسيرات انطلقت من مناطق مختلفة للتجمع في محيط مجلس النواب. وكان مجلس النواب قد تحوّل في الموجة الأولى الى محطة دائمة للمحتجين بعد اعتداء حرس الرئيس نبيه بري في عين التينة على مجموعة من الحراك، كانت تقوم بمسيرة احتجاجية امام منزل المسؤولين، ولم يكن بري من بينهم. وتابع الناشط روايته، فقال إن أعدادا كبيرة من المحتجين الذين وصلوا في باصات تقلهم من مناطق الشمال عكار وطرابلس ومن البقاع الغربي ومعظمهم من الشبان لم ينتظروا وصول تظاهرات بيروت الثلاث الى محيط المجلس. بل بدأوا فوراً بإطلاق المفرقعات والأسهم النارية باتجاه القوى المولجة حماية المجلس. وهنا تكاثرت مجموعات المحتجين حول مجلس النواب من الجهات كلها، وكان الهدف من ذلك الدخول الى ساحة النجمة «المحرمة» على المتظاهرين والمواطنين منذ سنوات. ثم سرى الشغب بطريقة سحرية بين المتظاهرين جميعا، شبانا وفتيات، يهتفون ضد رئيس المجلس وضد وزيرة الداخلية، ومنهم من اقتلع شجرة، وآخر كسر إشارة سير، أو واجهة متجر.. وفي الأثناء عمدت القوى الأمنية الى احراق خيم المعتصمين في ساحتي رياض الصلح والشهداء. واستمرت المواجهات نحو اربع ساعات، تفرق بعدها المتظاهرون وعادوا ادراجهم، ما خلا عدداً قليلاً من شبان عكار وطرابلس والبقاع الغربي الذين واصلوا عمليات الكر والفر مع شرطة المجلس وقوة مكافحة الشغب التي لاحقتهم وحاصرتهم في مسجد محمد الأمين في ساحة الشهداء ومنطقة الصيفي، حيث توجّه عدد من المصابين الى مقر حزب الكتائب، الذي جهّز حديقته الخلفية لوجستيا لمعالجة المصابين، وشاركت زوجة النائب سامي الجميل، وهي طبيبة، في معالجة بعض الإصابات.