كتب نوال نصر في “نداء الوطن”:
ماذا يفعل الإتحاد العمالي العام؟ ما لزوم الإتحاد العمالي العام؟ لماذا يتقاضى هذا الإتحاد مليار ليرة لبنانية سنويا من الدولة؟ ما لزوم هذا؟ للسفرِ والترفِ والترفيه أمّ للتحرك باسمِ العمال والفقراء؟ العمال في لبنان، من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، يصرخون من الألم فهل سمع الإتحاد؟
الاتحاد العمالي العام الذي تناول منذ سنين كثيرة حبة “فاليوم” من العيار العالي وراح في سبات عميق، يستريح “سكناً” على جانب طريق جسر النهر أما “بشراً” فيستمرّ مثل الصفر على الشمال!
بشارة الأسمر، رئيس الإتحاد العمالي العام الذي قال ما قال همساً لكن، لسوء حظه وحسن حظ الناس، شاع ما همس به “ميكروفونيا” فاستقال واستلم موقعه بالإنابة نائبه حسن فقيه. فما رأي فقيه بحالِ الإتحاد والعباد؟ يبدو أن “الريّس” بالإنابة يهتم بتعداد عدد المؤسسات والعمال التي تتقهقر في هذا الزمن السيئ ويقول: نتابع الأمور منذ اللحظات الأولى لهذا الحراك وسجلنا إقفال 2000 مؤسسة صغرى، وطالبت 200 مؤسسة بالتشاور مع الوزارة، وسجلنا “صراخ” نحو 10 آلاف عامل وهناك نحو ستين ألفا باتوا يتقاضون نصف أجر.
نفهم من أرقام الإتحاد العمالي العام أنه يتابع “التفاصيل”، أو بعض التفاصيل، لكن هل يتابع الى الآخر؟ هل يتابع ما يفترض أن يكون قد تابعه، في مهام الإتحاد، منذ أعوام كثيرة؟ يجيب فقيه: رفعنا الصوت أكثر من مرة وحذرنا من مصيبة قادمة. تكلمنا عن بنية الإقتصاد وعن القطاعات الإنتاجية والأمن الغذائي والضريبة. تكلمنا عن وجوب تفعيل الإنتاج اللبناني في بلدٍ يستورد بقيمة 20 مليارا ويُصدّر بقيمة ثلاثة مليارات فقط لا غير.
وماذا عن مسؤولياتكم كإتحاد؟ المطالبة والمراقبة أم الحراك قبل ما شهدناه من حراك بكثير؟ يجيب: الإتحاد العمالي العام مثل الديك الذي يصيح الصبح!
مارون الخولي، رئيس الإتحاد العام لنقابات عمال لبنان، الخارج من فلك الإتحاد العمالي من زمان، بعدما تأكد من عجز هذا الإتحاد عن قيامه بالمهام التي وُجد لأجلها يراقب عمل الإتحاد ولديه الكثير ليقوله: هذا الإتحاد مسؤول عما وصل إليه البلد. إنه شاهد زور على الأزمة الإقتصادية والإجتماعية. إستغلته السلطة وقبضت عليه وأصبح جزءا لا يتجزأ منها. السلطة والإتحاد العمالي العام واحد.
ما يقوله مارون الخولي سمع عنه كثيرون الكثير لكن ماذا عن “أهل البيت”؟ ماذا لديه هو ليضيفه؟ يجيب: يتحمل هذا الإتحاد مسألة وجود مليون ونصف مليون فقير ويتحمل ما آل إليه الضمان الإجتماعي وسرقة المصارف الموصوفة للناس وسياسة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المتمادية وتجميد سعر صرف الدولار. الإتحاد العمالي العام غضّ الطرف طوال عقدين وسكت. وهو يتحمل الجزء الأكبر من الفساد في القطاع العام ووجود 300 ألف موظف “حشروا حشرا” فيه في وقتٍ يكفي هذا القطاع 20 ألفا فقط لا غير. لو كان الإتحاد يقظاً وحاضراً وغير تابع لما وصلنا الى ما آلت إليه الأمور.
غرق السفينة
ما رأي حسن فقيه بمثل هذا الكلام؟ يجيب: أصل الخلل النظام الطائفي في لبنان. وكان العمال يعودون في كلِ مرة الى طوائفهم. ولدينا سريّة مصرفية تسمح بجعلِ لبنان أهم مركز تبييض أموال. القطاع المصرفي كذبة. ونحن نعيش في هذه الكذبة. نحن نعيش في زمن تملك المصارف وحدها البوصلة أما نحن ففي سفينة تغرق.
قصدنا رئيس الإتحاد العمالي العام بالإنابة للبحث عن “مسؤولية” الإتحاد فشعرنا وكأنه “مسكين” مغلوب على أمره! لكن، ألا يحقّ لنا أن نسأل عن أسباب عدم تحرك الإتحاد في الإتجاه الصحيح؟ ألا يحقّ لعمال لبنان “الموجوعين” أن يتساءلوا: لماذا لم يتصدَّ هذا الإتحاد لتسلط المصارف والطوائف والسياسة على حقوق العمال؟ يجيب فقيه: إسأليهم عن سبب عدم دعوة الإتحاد الى الإجتماع مع الهيئات الإقتصادية والمجلس الإقتصادي الإجتماعي. هم من يتجاوزون دور الإتحاد.
هل نفهم من هذا الكلام أن الإتحاد العمالي العام ضعيف الى هذه الدرجة ليتركهم يأكلون حقوقه ويهضمون حقوق العمال؟
يعود النقابي مارون الخولي أكثر من عقدين الى الوراء وتحديدا الى زمن رئيس الإتحاد العمالي السابق الياس أبو رزق ويقول: إستخدم الرجل مطامعه الذاتية ودخل في اللعبة النيابية وأوقعوه في فخّ العمل السياسي، ما جعله يقبل بدخول ستة إتحادات شيعية جديدة، إنضمت الى 21 إتحادا قطاعيا كانت موجودة. هذا الإتفاق جرى بالتنسيق بين أبو رزق ومدير عام وزارة الإعلام سابقا محمد عبيد. ووُعِد أبو رزق بنيل دعم حركة أمل في الجنوب، عن دائرة مرجعيون، غير أن أمل دعمت أسعد حردان. وهذا ما أسس لمعركة سياسية شخصية بين رئيس الإتحاد العمالي العام والرئيس نبيه بري. وذلك بعد أن ساوم أبو رزق، بحسب الخولي، بشخصه ليحصل على موقع سياسي على حساب كل لبنان وعمال لبنان.
فقدان الجدوى
بدأ تدهور دور الإتحاد العمالي العام بعدما قبض السياسيون عليه. فما رأي الأمين العام لجبهة التحرر العمالي عصمت عبد الصمد بما آلت إليه أمور الإتحاد الذي يفترض أن يتكلم باسم حقوق العمال وبالنيابة عن العمال؟ وكيف يقرأ الواقع المزري الذي بلغته الطبقة الفقيرة في لبنان؟ يجيب: الواقع مرير جداً، والحراك الشعبي الذي نشهده حق كل المؤسسات التقليدية وضمنها المؤسسات النقابية. ويستطرد: ما رأيناه هو أن الحراك سبق اليوم الجميع.
ما دام الأمر كذلك فما جدوى أن يبقى الإتحاد موجوداً؟ يجيب عبد الصمد: لا يمكن أن نلغي اليوم وجوده بسبب عدم ملاءمة الظروف، ويكفينا أنه لم يدخل في قصص “يخردق” فيها على الحراك. ويضيف: تاريخ الحركة النقابية في لبنان هو الأكثر عراقة، فهي أسقطت حكومات لكن، منذ الوصاية السورية، بدأت تضيع البوصلة فرُخّصت اتحادات ليست في المصلحة النقابية. وبات هناك من يقول من السياسيين أو المتسلطين على هذا الإتحاد: إنزل الى الساحة أو أخرج من الساحة. منذ تسعينات القرن الماضي حتى اللحظة مرّ خمسة رؤساء للإتحاد العمالي العام فقط لا غير هم: أنطوان بشارة، الياس أبو رزق، غنيم الزغبي، غسان غصن وبشارة الأسمر الذي يشغل حاليا موقعه بالإنابة حسن فقيه.
غسان غصن، الذي غادر رئاسة الإتحاد العمالي العام عام 2017، أجابنا ذات يوم عما إذا كان “زلم” عين التينة بالقول: في هذا البلد الذي يُسيس فيه المواطن، كل مواطن، وتُسيس فيه العائلة، ويُسيّس الولد حتى قبل أن يولد عبر اختيار اسمه: كاسترو ولينين وستالين وأرزة وناصر… ويُحدد اسمه دينه: مارون وشربل ومتري وحسين وعمر… وفي بلد الموظف فيه مسيس، يدين بالولاء الى من وظفه ولا يرد إلا عليه… في بلد العمال فيه مسيسون ينزلون الى الاعتصام ليهتفوا الى زعيمهم لا الى مطالبهم: بالروح بالدم نفديك يا زعيم. في هكذا بلد يمكنني أن أقول أنه لم يتدخل أحد، ولا مرة، في خطواتي ضد مصالح العمال لكن هناك من كان يصرّ على المزايدة علينا.
من يتبع من؟
هل يزايد مارون الخولي، وسواه، على من إستلموا الإتحاد العمالي العام؟ هل سبب تخاذل الإتحاد العمالي العام الدائم هو “تبعية” عمال لبنان لا “تبعيته” وحده؟
هناك فارق كبير بين “التبعيتين” ولو رأى فقراء لبنان في “اتحادهم” سنداً لاتكلوا عليه وتبعوه. ويقول الخولي: الإتحاد العمالي العام هو الذي أسقط، مع فقراء لبنان، حكومة الرئيس عمر كرامي العام 1992 بسبب سوء الوضع الإقتصادي وتدني قيمة الليرة اللبنانية و”صعود الدولار” وإعلان الإضراب العام. إسقاط الحكومة في الشارع جعل “السياسيين” يخشون الإتحاد، فأتوا، بقرارٍ سوري، بأمين عام حزب البعث عبدالله الأمين وزيرا للعمل و”أمسكوا” عبره الإتحاد. وهنا كانت بداية القبض على الحركة النقابية في لبنان. وشكلوا قيادة “ممسوكة” وأنتجوا تركيبة كونفدرالية، بمعنى أن الإتحادات النقابية تنضوي داخل الإتحاد العمالي العام لكن لا يستطيع الإتحاد العام إجبار هذه الإتحادات على الإضراب. هذا من حيث الشكل، أما من جهة الآلية المادية فدرس “واضعو اليدّ” على الإتحاد ملفه جيدا وأقروا ثغرات بينها إعطاء كل إتحاد، مهما كان حجمه، صوتين فقط لا غير. وهم، بهذا، أحكموا إمساكهم القرار. وعمل الرأس المخابراتي على ضرب الإتحادات المستقلة عبر وضع آلية جديدة قضت بعدم توزيع الأموال المخصصة من الدولة على الإتحادات النقابية بل تحويلها الى الإتحاد العمالي العام. يتقاضى الإتحاد سنويا من الدولة اللبنانية مبلغ مليار ليرة لبنانية. يأخذها الإتحاد العمالي العام وبدل أن يستعملها لدراسات عن البطالة وغلاء المعيشة ولأمور تهم العامل والفقير يقوم بصرفها، بحسب الخولي طبعا، على الترف والترفيه. ويستطرد: فلنسأل الإتحاد عن نسبة البطالة وغلاء المعيشة؟ فلنسأله أن يعطينا مسار غلاء المعيشة منذ العام 1990 أو حتى من 2000 أو 2005 حتى الآن. لا دراسات خاصة بل مجرد أرقام جمعها من هنا ومن هناك. فماذا فعل بالمليارات التي يأخذها من الدولة؟
طبعا، كما دائما، لا جواب! لا أجوبة!
مخالف للقانون
هناك أمر آخر يلفت هنا وهو أن هذا كله يحصل منذ العام 1990 مع العلم أن لا شيء في القانون إسمه إتحاد عمالي عام، بل إتحادات نقابية، ما يعني أن الدولة تخالف بالتعامل مع إتحاد غير موجود أصلا. ولم يعمل أي وزير للعمل، على مدى عقدين، من أجل تغيير هذه المعادلة التي لا تحتاج إلا الى قرار وزير. فلنعد الى عصمت عبد الصمد لسؤاله عما آلت إليه النقابات في لبنان والإتحاد العمالي العام؟ يقول: هناك 52 إتحاداً نقابياً ويوجد ما لا يقل عن 500 نقابة بينها عشرات النقابات الوهمية التي تضم لوائح غبّ الطلب، بينما، قبل أن يضع النظام السوري يده على الإتحاد، كانت هناك تسعة إتحادات إرتفعت الى 16 ثم 23 ثم 52. وتدريجيا بات الإتحاد العمالي العام يدار على “الريموت كونترول”.
الاتحاد العمالي العام متهم بأنه طالما هدد وأنذر وعاد وتراجع. أنه يهدد ثم يتراجع حين يسمع همساً من السياسيين بوجوب التراجع. هذا ما سمعناه من أكثر من طرفٍ وهو ما يجعل هذا الإتحاد العام الذي ظنناه يعمل باسمِ العمال يستحقّ علامة: صفر! الإتحاد العمالي العام في لبنان تأخر كثيراً عن اللحاق بما يريده فقراء لبنان وعماله. هم سبقوه الى التغيير الكبير. وسيأتي يوم قريب يسمع من يثوروا أمامه هاتفين: كلن يعني كلّن والإتحاد العمال العام واحد منن!
آخر الرؤساء…
تأسست الحركة النقابية في لبنان عام 1907 وتميزت باستقلالها ولم تكن تابعة للنظام السياسي. وكان ما كان.
والرؤساء 7 لكن الإتحاد لا يستحقّ أبدا علامة النصر.
1 -غابريال خوري،أنتخب رئيسا العام 1968 في أول إنتخابات جرت وكان عدد الإتحادات تسعة.
2 -جورج صقر، انتخب العام 1976 رئيسا للإتحاد بعد أن كان يشغل موقع رئيس إتحاد نقابات عمال البترول وكان عدد الإتحادات قد ارتفع الى إثني عشر إتحادا.
3 -أنطوان بشارة، انتخب هذا المناضل نقابي منذ أوائل الستينات في العام 1983 وهناك من يقول أن الرجل هو آخر رؤساء الإتحاد وبعده «انفرط». كان اليمين واليسار في زمنه في وئام. وكان تصحيح الأجور يحصل دوريا. ونجح في العام 1992، نجح في كسر القبضة السورية والتظاهر باسم العمال، ضدّ الغلاء، حتى استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي.
4 -الياس أبو رزق، إنتخب في العام 1997 وهو رثا الحركة المطلبية في لبنان معتبرا أنها أصبحت ميتة منذ تسلم غسان غصن للإتحاد وطالما ردد: أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري هو من وضع يده على الإتحاد العمالي! وأعيد انتخابه في 2001.
5 -غنيم الزغبي، وهو أتى رئيسا بين إنتخابين للياس أبو رزق ويُشهد له أنه كان صادقا وهو وعد أن يستقيل خلال سنة واحدة من انتخابه إذا لم يتمكن من توحيد الحركة النقابية وهذا ما كان.
6 -غسان غصن، إنتخب في العام 2001 وهو من نقابيي عمال مطار بيروت وأعيد انتخابه في العام 2011 وحدثت في أيامه إنشقاقات جمة وخلافاتوطعون واستمرّ إنزلاق دور الإتحاد نزولا نزولا.
7 -بشارة الأسمر، آخر الرؤساء وهو استقال أو أبعد أو طرد بعد الكلام «الرذيل» الذي صدر عنه عبر ميكروفون كان يظنه مقفلا في حقّ البطريرك الرحل مارنصرالله بطرس صفير.