كتب عمار نعمة في صحيفة “اللواء”:
يوم بعد الآخر، توفر السلطة القائمة الزخم الكافي للحراك الشعبي ليجدد نفسه ويبتكر وسائل أخرى لمواجهتها.
لم تتعظ السلطة من كل ما حدث بعد نحو 100 يوم على اندلاع ثورة شرائح لبنانية واسعة عليها. هو مسلسل مُتوالد منذ الايام الأولى للحراك الشعبي، وهذا كاف للمنتفضين بفئاتهم المختلفة ليستعيدوا النشاط في ظل أزمة سياسية إجتماعية إقتصادية تم تكليف الدكتور حسان دياب رئيسا للحكومة ليبدأ الخطوة الاولى في رحلة الالف ميل لحلّها.
حينها، خرج البعض في الحراك مناديا بتوفير الفرصة لدياب، وكان ذلك سببا لاتسام الانتفاضة بالهدوء بالتزامن مع محاولة لها لاستعادة الانفاس في ظل طقس لا يساعد على التحرك وفي فترة أعياد.
يؤكد البعض أنه كان باستطاعة دياب أن يحل بطلاً في البلاد، ولا يزال. لكن ما كشفته الأيام الماضية، ومع ورود الأنباء حول كيفية تعاطي السلطة مع تشكيل حكومة على قياسها، وهي في الاصل حكومة اللون الواحد بالاشتراك مع دياب، تفجر الغضب بوجه كل ما يمت للسلطة بصلة.
في الآونة الأخيرة، إتخذت التحركات أشكالا جديدة. توجهت البوصلة أولا نحو المصارف ورمزها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يعد أحد الاهداف الرئيسية للمنتفضين منذ تاريخ 17 تشرين الأول. وشهدت الايام الماضية أعمال شغب في منطقة الحمراء ووسط بيروت، والجديد اليوم أن هذه الأعمال لم تعد حاصلة على إدانة كثيرين في الشارع، برغم حديث البعض في السلطة عن «مندسين» و«زعران» واتهامات لبعض التيارات بالنزول الى الشارع لإرباك من يشكل الحكومة.
في أجواء الحراك الكثير من التنديد بـ«وقاحة» من هم في السلطة، من دون نفي أن مناصرين لتيارات سياسية قد احتلوا الساحات لأجندات خاصة بهم، وهو أمر سيلجأ هؤلاء إليه مع انخراطهم في التحركات، حسب رؤية البعض في الحراك. يتم الحديث هنا عن «تيار المستقبل» ومناصري الرئيس سعد الحريري الذين قدموا قبل أيام من الشمال للتجمع في وجه المجلس النيابي الذي يعد المكان الشرعي لصناعة السلطة، ربما ردا على استهداف سلامة. كما يُحكى عن انخراط مقبل في التحركات لأنصار زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط و«القوات اللبنانية» وغيرهم. علما أنه في الايام الماضية، وخلال تحرك شارع الحمراء، سرى حديث عن تواجد على الأرض لثنائي «حركة أمل» و«حزب الله»، خاصة في الساعات الاولى للحراك المضاد للمصارف.
على أن المتابعين لشؤون الحراك بفئاته المختلفة يقرون بأن الطابع الأعم لما حدث في الايام الاخيرة، خاصة في وسط بيروت، والمرشح للتصاعد عنفيا، هو من صنيعة «العامّة» وهم الغالبية العظمى من الحراك بينما لا تحظى المجموعات المُعلنة في الحراك سوى على قدر معين من التأييد.
ويرى كثيرون أن تضخيم دور بعض المجموعات التي قدمت من الشمال جاء من قبل المُتهمين بالتحاصص الطائفي على جبنة الحكومة. هنا جاء الحديث عن مجموعات كـ«حراس المدينة» الذين قدموا فعلا من طرابلس، أو حزب «سبعة» أو مجموعات يسارية عبثت بالمؤسسات في شارع الحمراء حيث حضرت اتهامات لـ«حركة الشعب» وجماعات يسارية صغيرة.
يؤكد من هم في الحراك أن تلك الاتهامات جاءت من قبل ما يصطلح على تسميته بـ«العهد» بعد أن اتهم الناشطون «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل بـ«الجشع» عبر الحصول على حصة الأسد في الحكومة، فنزلوا الى الشارع متهمين أركان السلطة كاملة وخاصة من يشكل الحكومة.
نقد ذاتي
على أن كل ذلك لا يعفي الانتفاضة من نقد ذاتي يجنبها ما يخطط له كثيرون داخلها من «تصعيد عنفي» لمواجهة عبث السلطة بمصير البلاد.
وبينما كانت المجموعات الظاهرة في الحراك تحاول الحفاظ دوما على سلمية التحركات عبر تدخلها لضبط التحركات خارج السيطرة، باتت اليوم تقر تلك الوسائل أو تتغاضى عنها في أفضل الاحوال، لا بل انها باتت على عتبة العبور نحو مرحلة تصعيد غير مسبوق عبر وسائل جديدة أكثر إيلاما لمن هم في السلطة.
لن يكتفي هؤلاء باعتماد طرق سابقة آذت السلطة لكنها حصلت على تنديد الكثير من المواطنين كقطع الطرقات، بل هم قد يذهبون نحو مرحلة أكثر تقدما قد تشهد حتى اقتحام منازل المسؤولين والمؤسسات العامة، ناهيك عن محاصرة وتحطيم كل ما يمت للسلطة بصلة.
من الطبيعي أن يتوجس كثيرون من هذا الأمر، لكن من في الثورة رموا الكرة طويلا، ولا يزالون، في ملعب السلطة «التي تمعن في استفزاز اللبنانيين وفي يدها الحل لعدم لجوء الثوار الى المرحلة المقبلة».
اليوم، قد تتشكل الحكومة العتيدة في أية لحظة، لكن آلية المحاصصة واحتقار الشعب لا تروق للثوار. والواقع ان رأيا عاما ساد قبل أسابيع بأن دياب قد يستغل الفرصة لتشكيل حكومة مستقلين وأكفاء نزيهين. سرعان ما أظهرت الايام عن عقم محاولة دياب الذي أبلى بعض البلاء الحسن في صموده أمام محاولات التطويق، لكنه، في المقابل، إنخرط في لعبة السلطة لناحية تقاسم المغانم. وإذا كان يريد تدارك ما سيحصل، وهو قادر حسب المنتفضين، سيكون عليه قلب الطاولة على الجميع والشروع في عملية تأليف للحكومة على قياس آمال اللبنانيين، حسب الثوار.
ويتركز المطلبان الاساسيان في أرجاء الانتفاضة بتشكيل حكومة مستقلين وانتخابات نيابية مبكرة في ظل «انتهاء التفويض الشعبي الذي وفرته الانتخابات الماضية لمن فشل في السلطة». وفي هذه الاثناء، ثمة رأي لدى الثوار يدعو الى انتظار ما ستتمخض عنه تجربة دياب، لعلّها تأتي على قياس التطلعات، لكن لا يبدو هذا الأمر مرجحا. وبرنامج الثورة سيأتي بالكثير في الايام المقبلة، والمزاج العام لدى الحراك الشعبي سيزداد امتعاضا مما يحصل من فضائح على صعيد تأليف الحكومة، ولسان حاله يسأل «متى كانت الثورات غير عنفية؟». أما عن المقبل من الأيام فالإجابة تأتي: الآتي أعظم!