Site icon IMLebanon

من “ثمار” انتفاضة 17 تشرين: سقوط منطق التسوية!؟

لطالما اعتُبر لبنان منذ نشأته مع اعلان الاستقلال والى يومنا هذا بلد التسويات لا الحلول. وغالباً ما كانت التسويات المحلية امتداداً للتسويات الكُبرى المعقودة في الاقليم وعلى مستوى العالم فتُترجم في “رسم” خطوط اللعبة بين القوى السياسية الحليفة والمتخاصمة.

ومع كل استحقاق سواء كان دستورياً، سياسياً او امنياً يبدأ الخيّاطون (محليون ومن خارج الحدود) حياكة ثوبه بما يتناسب مع مفهوم التسوية-القاعدة في لبنان القائمة على مبدأ عدم الغاء اي طرف والتوافق العام ولو ان بعض الاستثناءات حصلت في حالات معيّنة.

وغالباً ما كانت التسوية بمثابة “عصا” وُضعت في عجلة المؤسسات فعطّلت دورها الذي اناطه بها الدستور فتُسيّر الحياة العامة وفق ما يبتغيه طرفاها دون الاخذ في الاعتبار القوانين المرعية الاجراء.

غير ان ما يشهده لبنان منذ 17 تشرين الاول يبدو انه يُشكّل بداية النهاية لمنطق التسويات الذي حكم بلد الثماني عشرة طائفة منذ اعلان نشأة دولة لبنان الكبير. فبرأي قوى سيادية مراقبة للتطورات التي يشهدها البلد منذ اكثر من ثلاثة اشهر، ان التسويات السياسية لم تعد قائمة وعملة رائجة في سوق التداول السياسي، لأن المنتفضين في المناطق من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب مروراً ببيروت والبقاع فرضوا انفسهم في المعادلة السياسية كلاعب اساسي لا يمكن لاي طرف مهما يملك من فائض قوّة ان يتجاوز وجوده.

ولفتت عبر “المركزية” الى “ان الحراك قلب طاولة السياسية التقليدية القائمة على منطق التسوية مطالباً بتغيير الطبقة السياسية الحاكمة التي تُمثّل هذا النمط التقليدي والركون مجدداً الى منطقة الدستور والمؤسسات والقانون، حيث المواطنون سواسية في الحقوق والواجبات رغم اختلافهم الديني والمذهبي وانتمائهم المناطقي”.

وتبعاً لتنوّع لبنان الطائفي والمذهبي وهو ما جعله فريداً في صيغته المتعددة، “فاذا كان لا بد من استخدام مصطلح “التسوية” في القاموس السياسي، فإن سقفها يجب ان يتماشى مع دور لبنان كبلد للحوار والتعايش، حيث تتفاعل فيه الحضارات والاديان، لذلك اختير مركزاً دولياً لحوار الاديان والحضارات انسجاماً مع اعلان البابا يوحنا بولس الثاني بان “لبنان اكثر من وطن انما رسالة”.

وعليه، اعتبرت القوى السيادية المراقبة “ان التغيير الذي بدأت بإحداثه انتفاضة 17 تشرين سيُرسي في نهاية المطاف تسوية فريدة وجديدة مُختلفة تماماً عن مفهوم التسويات القائمة، اذ سيكون الدستور والقانون عمودها الفقري، والحكم سيكون شراكةً بين مختلف القوى السياسية التي تفرزها صناديق الاقتراع. فلا غلبة لفئة دون اخرى ولا “امتيازات” لفريق على حساب اخر تحت حجج وذرائع”.

فلبنان لا يُحكم الا بمنطق المساواة في الحقوق والواجبات بين مختلف الفئات وهذا ما اثبتته الانتفاضة، اذ ظهر جلياً ان معظم اللبنانيين تخطّوا انتماءاتهم الحزبية والطائفية ليتّحدوا حول مطالبهم بالتغيير على رأسها تشكيل حكومة من المستقلّين عن الاحزاب والقوى السياسية التقليدية تكون مهمتها “استعادة” هذه الحقوق كما ينصّ عليها الدستور انطلاقاً من مبدأ المساواة”.

وختمت القوى السيادية المراقبة بالقول “ان لا وجود لأي سلطة بعد سقوط التسوية التي حكمت البلد منذ ثلاث سنوات وانطلاق شرارة الانتفاضة، لان الشعب جدد التأكيد انه مصدر السلطات وان كانت هناك من تسوية لا بد من ابرامها، فإن الشعب هو من يُبرمها تحت قاعدة “لا قوّة تعلو قوّة الدستور والمؤسسات”.