كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
نادرة هي المرات التي يقرر فيها سليمان فرنجية بق البحصة. وحين يقرر يفعلها، لا يترك ستراً مغطى. عادة ما يقولها كما هي، بلا مواربة، من دون قفازات ومفردات منمّقة، لا يساير ولا يجامل. يختار الطريق الأقصر في ايداع رسائله. هكذا فعل بالأمس حين قرر استدعاء الميكروفونات وعدسات المصورين ليدلي بدوله في ما خصّ مشاركته في حكومة حسّان دياب.
لا حاجة لمراجعة مسيرة الرجل، للتأكد أنّه لم يكن يوماً من طينة “المستقتلين” في سبيل حقيبة أو مقعد أو من المتخلين عن حلفائه في “لحظات الضعف”، بدليل أنّ “تيار المردة” لم يستغل الانتفاضة الشعبية لتصفية حساباته مع “التيار الوطني الحرّ” و”الانقضاض” على “خصمه” الوزير جبران باسيل، وتصرّف على أساس “حرصه على المقاومة و8 آذار”. ولم يكن ليقف بوجه “حكومة الفرصة الأخيرة” إذا لم تكن المسألة “وجودية” بالنسبة له. أقله هكذا يقول عارفوه. ولذا، لن يجد فرنجية من يشكك في نواياه أو موقفه القاضي بمنح الثقة للحكومة حتى لو بقي خارجها.
ولهذا اضطر إلى فتح “صندوقة المحاصصة” لتفوح رائحتها أمام الرأي العام والشارع المنتفض. بات فرنجية مقتنعاً أنّ الحالة الاعتراضية التي يشهدها الشارع ليست ظرفية أو موضعية، ولا هي ردة فعل سرعان ما ستنتهي. هو متأكد أنّ المزاج العام تغيّر وأنّ ما بعد 17 تشرين الأول غير ما قبله. ولذا لا يمكن قيادة المرحلة المقبلة بـ”عدّة” المرحلة السابقة. لا بدّ من تغيير جذري في السلوك والأداء وليس الاكتفاء ببعض المستحضرات التجميلية.
برأيه، لا يمكن خداع الناس. المحاسبة باتت سلاحاً فتاكاً بيد الشارع، ولذا من الضروي الأخذ في الاعتبار ما نادى به المنتفضون منذ اليوم الأول لاندلاع الحراك. أكثر من ذلك، بنظر فرنجية، ثمة زلزال ضرب الطبقة السياسية التي اهتزت عروضها وبات أسيرة رمال متحركة، ولا يجوز القفز فوق هذه التداعيات وكأنه لم يحصل.
ولهذا قرر رئيس “تيار المردة” تعديل قواعد مشاركته في الحكومة. ليس بهدف زيادة حصته، بقدر رغبته في مواجهة تسونامي الانهيار بثبات تعبّر عنه وجوه تكون مقبولة من الرأي العام والناس ومتطابقة مع مواصفات المرحلة… وبتوازن حكومي لا يكون موضع “ابتزاز” من أي فريق.
إنطلاقاً من هذا العنوان صوّب فرنجية على باسيل، لسبب محدد يتصل بالثلث المعطل. لا أحد يعرف ماذا ينتظر هذه الحكومة. قد تكون نهايتها في أيام بضربة قاضية يوجهها الشارع. وقد يتسنى لها أن تعمّر أكثر من سنة أو سنتين، وقد تنهي روزنامتها في آخر أيام عهد ميشال عون. وهنا صار لها حسابات مختلفة دفعت برئيس “تيار المردة” إلى التحذير من تجيير ثلث صاف لمصلحة باسيل.
وفق المطلعين على موقف فرنجية، قد تنجح الحكومة في اتخاذ قرارات اقتصادية جريئة وكبيرة، ولكن في المقابل، قد يغرقها بعض فريق الثامن من آذار في متاهات تفاصيل وشؤون ادارية، كالتعيينات على سبيل المثال لا الحصر، ولذا لا بدّ من إحاطة مسبقة لقواعد عملها قبل السماح لها برؤية النور. بالنسبة اليه، تجربة السنوات الماضية، شاهد حيّ على أداء جبران باسيل في الحكومة، وبالتالي لا داعي لاختباره من جديد.
لا بل يذهب بعض عارفيه إلى حدّ القول إنّ فرنجية نطق بألسنة الكثيرين من هذا الفريق، وقد عبّر عن مكنونات بعض الحلفاء، الذين يفضّلون العضّ على الجرح بدلاً من نشر الغسيل. وحين يسأل هذا البعض عن سبب إصرار فرنجية على “تفخيخ” الثلث المعطل، يجيبون: لماذا إصرار العونيين على وضع الثلث المعطل في جيبهم؟
عملياً، كان للفريق العوني (حصة رئيس الجمهورية وحصة “التيار الوطني الحر”) في الصيغة المصغرة أي صيغة الـ18 وزيراً، 7 وزراء مسيحيين بينهم الوزير الأرمني، ما يعتبر ثلثاً معطلاً زائداً واحداً، الأمر الذي رفض فرنجية تكريسه.
لذا جرى العمل على تدوير الزوايا، للتخفيف من حدّة أي ثلث معطل قد ينشأ نتيجة الحكومة العشرينية التي صار ثلثها موضع نقاش دستوري كونها تحمل كسوراً (6.6)، وهي سابقة لم يجرِ التعامل معها مسبقاً، ما يعني أنّ الثلث المعطل قد يحتاج إلى ثمانية وزراء، فيتحول بذلك الوزير المحسوب على النائب طلال أرسلان إلى وزير ملك، الأمر الذي ساهم في تسهيل مشاركة “المردة” من جديد.