كتب إيلي الفرزلي في “الاخبار”:
محطات المحروقات عادت إلى التصعيد. بعضها أقفل أبوابه. المطلوب رفع سعر صفيحة البنزين ما يصل إلى 2000 ليرة لتعويض فارق سعر صرف الدولار. لكن هل تخسر هذه المحطات فعلاً؟ العودة إلى جدول تركيب الأسعار الذي تصدره وزارة الطاقة يبيّن أن جلّ ما حصل أن عمولة هذه المحطات تراجعت من 1900 ليرة إلى نحو 1250 ليرة.
مرة جديدة، أطفأت محطات المحروقات أنوارها، ورفع بعضها خراطيمه، معلناً التوقف عن بيع البنزين. السبب نفسه يتكرر: لم نعد نحتمل الخسائر المتلاحقة نتيجة اضطرارنا إلى شراء الدولارات من السوق لتغطية 15 في المئة من الاعتمادات التي يفتحها مصرف لبنان للمستوردين. هذه المرة، صار المطلب محدداً أكثر. صاحب محطات الزهيري، رجا الزهيري، أعلن أنه سيضاف 1900 ليرة على كل صفيحة بنزين رضيت الوزارة أو لم ترض. هذا الموقف لم يتبناه نقيب أصحاب المحطات سامي البراكس ولا مستشار النقابة وممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا. الطرفان يؤكدان أن الأسعار لم تتغير اليوم ولن تتغير، أما الجمعية العمومية التي عقدت أمس، وحضرها أصحاب 75 محطة، فقد قررت تكليف البراكس إجراء مزيد من الاتصالات «لإنصاف أصحاب المحطات»، على أن تدعى الجمعية إلى الانعقاد مجدداً يوم الجمعة. يتعامل هؤلاء مع المدة الفاصلة عن الجمعة بوصفها مهلة لوزارة الطاقة لتعديل جدول الأسعار والأخذ في الاعتبار الخسائر التي تلاحق المحطات من جراء الفارق بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق. يقول أبو شقرا إن المطلوب «جدول قانوني»، وليس جدولاً يؤدي إلى خسارة المحطات 2000 ليرة عن كل 20 ليتراً. وهو إذ يتمنى تشكيل الحكومة قبل يوم الجمعة وحل مسألة الاعتمادات، فإن البراكس يوضح أنهم صبروا كثيراً على الإجحاف اللاحق بهم، من جراء الـ 15 في المئة التي يضطرون إلى تأمينها بالدولار لفتح اعتمادات استيراد المشتقات النفطية، لكن الوضع ينتقل من سيئ إلى أسوأ، نتيجة استمرار تدهور سعر صرف الليرة.
بين المصرف المركزي ووزارة الطاقة
بحسب جدول مقارنة أعدته النقابة لتوضيح «خسائرها»، يتبين أن كلفة الـ 20 ليتراً من البنزين 95 أوكتان، هي حالياً 15.33 دولاراً، 15 في المئة منها، أي 2.3 دولار، تُدفع بالليرة وفق سعر السوق (2300 ليرة)، وتساوي 5290 ليرة، والباقي (13.03 دولاراً) تدفع بالليرة حسب السعر الرسمي (1515)، أي ما يساوي 19746 ليرة، فيكون سعر الصفيحة بالليرة 25036 ليرة، من دون احتساب عمولة المحطات المساوية لـ 1900 ليرة عن كل 20 ليتراً. وبالتالي، يخلص أصحاب المحطات إلى أن السعر الرسمي المحدد بـ 24900 ليرة، يضعهم أمام خسارة تفوق الـ 2000 ليرة عن كل 20 ليتراً. الأمر نفسه يتكرر مع مادة المازوت. المحطات تقول إنها تتكبد خسارة تعادل 1549 ليرة عن كل 20 ليتراً من هذه المادة.
لكن هل يمكن فعلاً زيادة سعر صفيحة البنزين 2000 ليرة في هذه الأوضاع؟ هذا أمر غير وارد بالنسبة إلى وزارة الطاقة، كما أنه يمكن أن يؤجج الثورة أكثر. وزارة الطاقة تعتبر أن المشكلة ليست عندها. بعدما صارت الدولة تستورد البنزين ويتم التعامل معها من قبل مصرف لبنان أسوة بالقطاع الخاص (لا يُفتح اعتماد الاستيراد إذا لم يتم تأمين 15 في المئة من إجمالي كلفة البضائع المستوردة بالدولار)، صارت توجّه المعترضين إلى المصرف المركزي. لكن بعد مراجعات عدة من منشآت النفط، صار واضحاً للوزارة أن المصرف لن يتراجع عن تعميمه ولن يعطي المنشآت أي معاملة تفضيلية.
650 ليرة لا 2000
لكن هل تصل الخسارة فعلاً إلى 2000 ليرة على ما يبيّن المستوردون؟ ثمة خلل أساسي في الحسبة تلك يتعلق باحتساب سعر الصفيحة كاملاً بالدولار ومن ثم احتساب الـ 15 في المئة من هذا السعر. لكن في الواقع، وعلى ما يبيّنه جدول تركيب الأسعار الذي تصدره وزارة الطاقة، فإن ما يعادل 40 في المئة من سعر المبيع هي مدفوعات بالليرة. في الجدول الأخير، على سبيل المثال، يتبين أن ثمن البضاعة المستوردة (كل ألف ليتر) هو 740500 ليرة (تشمل سعر النفط العالمي زائد كلفة النقل والتأمين والتخزين، إضافة إلى أرباح مقدرة بـ 30 دولاراً عن كل طن بنزين). أما باقي التكاليف التي تحدد السعر النهائي للـ 20 ليتراً (24900 ليرة حالياً)، فهي: الرسوم، حصة شركات التوزيع، أجرة النقل، عمولة صاحب المحطة والضريبة على القيمة المضافة. وهذه التكاليف الإضافية تجعل من السعر النهائي للألف ليتر بنزين عيار 95 أوكتان يوازي مليوناً و245 ليرة. ومع حسم ثمن البضاعة من الكلفة النهائية، يتبين أن 40 في المئة من السعر هي التزامات بالليرة اللبنانية، أي لا يجب احتسابها عند احتساب الـ 15 المئة المتوجب تأمينها بالدولار من أصل كامل الاعتماد.
تطبيق ذلك على الجدول الذي أعدّه أصحاب المحطات يفرض احتساب هذه النسبة على المبلغ المتبقي بعد حسم 40 في المئة من سعر الصفيحة (15.33 دولاراً)، أي على 9.1 دولارات، ما يجعل المبلغ المطلوب تأمينه من السوق 1.35 دولاراً عن كل صفيحة لا 2.3 دولار. وبالتالي حتى لو احتسب دولار السوق بسعر 2300 ليرة، فإن الفارق سيكون ألف ليرة لا ألفين. وفي حال تثبيت سعر الصرف لدى الصرافين على ألفي ليرة كحد أقصى، كما أعلن أمس، فإن الفارق سيقتصر على 650 ليرة. وهو سيقلّ أكثر مع انخفاض أسعار النفط عالمياً.
400 ليرة حداً أقصى
أمام كل ما سبق، يتضح أن سعر المبيع الرسمي والمحدد بــ 24900، لا يؤدي إلى خسارة المحطات، بل يساهم عملياً في تخفيض عمولتها من 1900 ليرة إلى ما بين 900 و1250 ليرة. وهذا لا يعني أن لا ضرورة لتصحيح الوضع القائم، وخصوصاً أن المحطات تستعمل لدفع مصاريفها التشغيلية ولتحقيق الأرباح، لكنه يعني أيضاً أن أمراً طارئاً يستدعي أخذ الناس رهينة في وضع اقتصادي واجتماعي صعب.
بحسب مصدر متابع، فإن زيادة 400 ليرة في السعر الإجمالي بالحد الأقصى يمكن أن تحل المشكلة، مع توزيع الخسارة الباقية، إن وجدت، على كل من المستوردين والموزعين والمحطات. أما الخيار الثاني، فيكون في رفع «البريميوم» (تكاليف وصول البنزين إلى لبنان) من 26 دولاراً حالياً على كل ألف ليتر إلى 39 دولاراً (أسوة بما تدفعه منشآت النفط)، أي ما يعادل زيادة 26 سنتاً (400 ليرة) على سعر الـ 20 ليتراً. أما الأهم من هذا الاقتراح أو ذاك، فهو بحسب المصدر، تشديد الرقابة على المحطات.