كتبت خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
غصّت قاعة sea side arena على الواجهة البحرية لبيروت بالصناعيين. أصحاب مصانع، إداريون، فنيون وعمال توّجوا رؤوسهم بعبارة “تاج الوطن… صناعته”، وحملوا بأيديهم يافطات تُعبّر من جهة عن فخرهم بصناعة بلدهم وإيمانهم بأن الصناعة مناعة لبنان، ومن جهة أخرى تحمل خشيتهم وخوفهم الشديد على مصانعهم المهدّدة بالإقفال.
لم تكن الصناعة في يوم من الأيام أولوية في السياسات الإقتصادية اللبنانية، ليس لعيب فيها بل لقصر نظر المسؤولين، وجريهم وراء الربح السهل والسريع، التي وفّرها النظام النقدي.
إنفجار “النموذج” الريعي لم يشظّ قطاعات الإنتاج بل أصابها في مقتل. فصبرت “الصناعة” لشهور لعل صانعي القرار يتّعظون، و”عندما أيقنّا حجم لامبالاتهم وجهلهم أطلقنا آخر صرخة، لان نفسنا انقطع وأعطينا آخر فرصة للسياسيين ومصرف لبنان وجمعية المصارف من أجل تسهيل تأمين المواد الاولية قبل توقف مصانعنا”، يقول نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش.
من يعرف صناعيي لبنان يعلم جيداً أنهم لا يهدّدون، إنما يصرخون من خوفهم على فقدان 195 ألف عائلة مصدر دخلها وخسارة الإقتصاد 3 مليارات دولار سنوياً من العائدات، رغم توفر الحلول المنطقية. فالمبلغ الذي تحتاجه الصناعة سنوياً من أجل شراء المواد الأولية لا يتجاوز 700 مليون دولار. “فهل نُعطّل 5500 مصنع ونُعرّض الآلاف للبطالة من أجل رقم هزيل نستطيع تأمينه بسهولة؟”، يسأل الصناعي بول أبي نصر ويجيب “إن الخوف على الإحتياطي النقدي لا يفسر عدم التحرّك السريع من أجل حلّ مشكلة ليست صعبة”.
جمعية الصناعيين قدّمت لحاكم المصرف المركزي ورقة حلّ تتضمن شمول الصناعة بالتعميم 535، على ان يؤمّن الصناعيون 25 في المئة من قيمة المستوردات بالدولار والمبلغ المتبقّي يُدفع بالعملة اللبنانية، على ان يحوّله المركزي إلى الدولار من إحتياطه. هذه الخطة تقتضي عدم استفادة أي صناعي من الدعم إلا بعد ان يستعمل مردود صادراته أولاً. أي ان المطلوب هو تغطية فرق التصدير فقط.
أهمية هذا القرار بحسب أبي نصر أنه “يوفّر الدعم للصناعات غير التصديرية التي لا تستطيع تأمين الدولار الطازج مثل صناعة الكرتون، والتي من دونها لا يكون هناك توضيب ولا تصدير لبقية الصناعات”.
مشاكل القطاع الصناعي لا تتلخّص في انعدام القدرة على استيراد المواد الأولية فحسب، بل في عدم قدرتهم على تسديد متوجبات قديمة استحقّت للدول المورّدة، وتأمين الماكينات والمعدّات وقِطع الغيار للآلات. من هنا يرى رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي شارل عربيد ان هناك حلاً موازياً لهذه المشاكل يتلخّص في “خلق صناديق في الدول الصديقة كايطاليا والمانيا وتركيا والصين… التي نستورد منها مواد أولية بهدف تسهيل الإستيراد. وذلك من خلال إيجاد آلية مشتركة مع مصرف لبنان يستطيع من خلالها الصناعيون تأمين الحد الادنى من القروض من جهة والعملة الصعبة من الجهة الثانية، لحين انتظام العمل في الداخل. وبالتالي فإن من المفروض ان تُرصد كمية من العملة الصعبة للصناعة الوطنية من الداخل والخارج”.
قبل مدة ليست بطويلة حصل الصناعيون على وعود كثيرة لم تُترجم إلى أفعال، إلا ان “هذه الصرخة اليوم (أمس) وصل صداها إلى المعنيين حتى قبل إطلاقها”، يلفت الصناعي جورج نصراوي، ويضيف: “أتوقع أن نحصل قريباً على قوانين وتشريعات جديدة لحماية الصناعة، ومنها فتح الاعتمادات وتسهيل التحاويل. فالقرارات تحضّر والنتائج الايجابية ستظهر في غضون أيام”.
توفر الحلول والشعور بالإيجابية قد يكونان موضوعاً نسبياً، في تأمين حاجات الصناعة الوطنية. فعدا عن ان التجربة التاريخية في التعامل مع المصانع غير مشجعة، فإن توفّر الدولار قد يصبح في الفترة القريبة شبه مستحيل، ليس لدعم الصناعة إنما للاستمرار في دعم الدواء والنفط والقمح. وبحسب الصناعي خليل شري فإن “إجراءات المصارف تنحر الصناعة، وإن السياسات النقدية المعتمدة لا تأخذ في الإعتبار ان الصناعة هي القطاع شبه الوحيد القادر على تأمين عوامل الصمود من خلال عمليات التصدير، التي رغم كل الظروف ما زالت تُصدّر بقيمة 3 مليارات دولار وتؤمّن الأمن الإجتماعي للبلد”.
تصحيح المسار الصناعي عبر توفير الدولار، إن تمّ، لن يقوّم إعوجاج السياسات المالية والمصرفية المتّبعة، والتي يرزح تحتها مئات الآلاف من العمال والموظفين. وبحسب لور فريفر التي تعمل في شركة “ساموا” فإن “جهد 43 عاماً من العمل وادّخار المال ذهبت سدى بسبب حجز المصرف لأموالي”، وسألت: “كيف من الممكن أن أؤمّن تقاعدي في ظل عدم قدرتي على الحصول على مدّخراتي، وفي ظل عدم وجود برامج ضمان الشيخوخة؟”.
العمال الصناعيون أطلقوا من خلال التجمّع صرخات الثورة على الظلم، والتي بدأت بالتنديد بتقاضي موقف المجمع 5000 ليرة عن كل سيارة في وقت يعاني فيه الجميع من ضائقة مادية، وأكمل العمال رفع الشعارات المنددة بالغبن وفساد الدولة ومؤسساتها وسياساتها الإقتصادية والإجتماعية من داخل القاعة.