كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
وأخيراً أبصرت حكومة الرئيس حسان دياب النور، وصار رئيساً شرعياً للحكومة، بعد مشاورات مضنية كادت أن تطيح تكليفه مرات عدة. حتى “حزب الله” كاد أن ينفد صبره من حلفائه ممن أظهروا اختلافاً في ما بينهم غير مسبوق، تسابقاً على الحصص والحقائب حتى وصلت الأمور إلى معركة على ثلث ضامن داخل فريق من لون سياسي واحد.
لم تكن ولادة الحكومة لتحصل بشكل شبه طبيعي لو لم يعمد “حزب الله” إلى التحذير من نفض يديه من المساهمة في مساعي التشكيل في ظل تردي الأوضاع الاجتماعية والأمنية والاقتصادية، وبموازاة برودة حادة أبدتها بعض الأطراف السياسية في المماطلة وعدم الاكتراث في الإسراع بلملمة الأوضاع، ولا سيما ما عمد إليه بعض أفرقاء الثامن من آذار من تناقضات وتباينات لا يستهان بها.
وما إن أعلن “حزب الله” أنه لم يعد يريد التدخل في موضوع الحكومة حتى “رجع العقل للراس”. كان “حزب الله” قد أبلغ حلفاءه منذ ليل أمس الاول أن لا علاقة له بتشكيل الحكومة “هذا مكتب بري عنوانه معروف والقصر الجمهوري، وكذلك عنوان منزل الرئيس المكلف ورقم هاتفه فتواصلوا معهم ومن لديه مشكلة فليحلها”. هنا وقعت الصدمة وسارع الأطراف إلى تسريع الاتصالات في ما بينهم.
قبل ذلك كانت كل الأجواء توحي بأن لا حكومة قريبة في الأفق وزاد من صعوبة الموضوع الكلام العالي السقف لرئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، ومطالبة رئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” طلال ارسلان بوزيرين في الحكومة. ثم طفت على السطح مطالبة الحزب “السوري القومي” التمثل بوزير.
ولكن بينما كانت الأطراف المعنية تعلن خطوات تصعيدية في العلن كانت الاتصالات نشطة خلف الستار فتولى “حزب الله” فوراً التوسط لدى دياب للقبول بحكومة عشرينية بدلاً من 18 وزيراً، فيما تولى رئيس مجلس النواب نبيه بري موضوع فرنجية، وبينما كانت الأجواء سلبية، بدأت الأمور تنفرج تدريجياً، وكأحجار لعبة الدومينو تم تركيب الحكومة بعد أن تم تجيير نيابة رئيس الحكومة ووزارة الدفاع إلى “التيار الوطني الحر”.
ذُلّلت العقد الحكومية بمنح رئيس “الديموقراطي اللبناني” النائب طلال أرسلان أربع حقائب وزارية: الشؤون الاجتماعية، الإعلام، السياحة وشؤون النازحين”، وتيار المردة حصل على وزارتي الاشغال والعمل.
وإذا كان “القومي” خرج على زعل فمنحه حقيبة داخل الحكومة لم يكن مطروحاً من الأساس، وقد نشأت عقدتهم أمس الاول عندما علموا بنية توزير نقيبة المحامين السابقة امل حداد عن المقعد الارثوذكسي من الكورة، ولكن حين أصر باسيل على رفض حداد تشددوا في المطالبة بحقيبة إلى أن خرجوا من الحكومة، وكانت التسوية على حسابهم لأن في نهاية الأمر لا بد من خروج طرف سيكون غير راضٍ حكماً.
وضمن حسابات الربح والخسارة يعتقد الثنائي الشيعي أن الرابح الاكبر هو البلد بالدرجة الاولى، لأن تشكيل حكومة في نهاية المطاف من شأنه أن يساهم في الحد من الأزمة ويستجلب مساعدات خارجية وداخلية، ما يساهم في استقرار سعر صرف الدولار، أما الخاسر الأكبر فهو “من قرر ألا يشارك في الحكومة أولهم الرئيس سعد الحريري ثم النائب وليد جنبلاط الذي كان يميل الى المشاركة وقد خرج من زيارة رئيس مجلس النواب بترشيح شخصية درزية، قبل أن يبدل رأيه بعد زيارته بيت الوسط”.
وفي التوصيف الأولي، هي “حكومة من فريق سياسي واحد، مهما اختلف أطرافها على توزيع الحصص فصراعهم طبيعي وخلافاتهم لم تصل إلى الدرجة التي وصلت إليها تلك التي سبق وشهدها فريق الرابع عشر من آذار، وبالتالي فقد تمكن هذا الفريق من تشكيل حكومة في ظرف زمني لم يتعدّ الشهرين، في حين أن تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي استغرق تشكيلها أحد عشر شهراً وكانت من لون سياسي واحد”.
الفضل الأول في أن تبصر حكومة حسان دياب النور يعود إلى الثنائي الشيعي في الدرجة الأولى، أما الخاسر الأول فهو باسيل الذي اضطر للتنازل من حصته لمصلحة “المردة”، فيما أبدى دياب مرونة في القبول بحكومة من عشرين وزيراً.
العيون منذ اليوم شاخصة باتجاه الحكومة العتيدة التي يتوقع أن تنال الثقة حكماً، ولكن الخوف من الشارع الذي بدا رافضاً للحكومة منذ لحظات تشكيلها الأولى، ولو أن المنطق يقتضي أن تعطى فرصة أقله لتقديم برنامج عملها. والفرصة قد تكون متاحة للحكومة لتظهر فاعليتها وقدرتها على الإنتاج ولو ان فترة السماح لن تكون طويلة نظراً إلى حجم التحديات التى تنتظرها، غير أن مصادر الثامن من آذار متفائلة بإمكانية أن توفّر الأموال اللازمة لخطة إنقاذية ستعتمدها الحكومة الجديدة، التي سيكون بيانها الوزاري اقتصادياً بامتياز.
الأيام الآتية خير حكم على حكومة “الاختصاصيين” برئاسة الاختصاصي حسان دياب.