كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:
من المعروف أنّ مشكلة التبرز (أو التغوط) عند الأطفال ما دون الأربع سنوات مشكلة جسدية أو فيزيولوجية. ويؤكّد كثير من الأطباء أنّ الطفل الصغير الذي لا يستطيع أن يضبط عملية الإخراج لديه، يعاني من مشكلة على الصعيد العضوي. وهناك الكثير من الأسباب العضوية التي تساعد في ظهور هذا الإضطراب. لكن عندما يعجز الطب عن تفسير التغوط اللاإرادي، خصوصاً في حال عدم وجود أي سبب فيزيولوجي، يطلب الطبيب مساعدة وتفسيرات الأخصائي النفسي. فما هو «التغوط اللاإرادي» عند الاطفال ما دون الأربع سنوات؟ وما هي الأسباب النفسية التي تساعد في ظهور هذا الإضطراب؟ كيف يؤثر الجو العائلي على تكراره أو إحجامه؟ وكيف يمكن مساعدة الطفل والأهل على حد سواء؟
لا يمكن اعتبار «التغوط اللاإرادي» إضطراباً ما قبل عمر السنتين، حيث يكون جسم الطفل وعضلاته الشرجية في نمو وتطور. كما هناك بعض الأسباب الطبية التي يمكن أن تؤدي إلى هذه المشكلة كـ»تضخم القولون اللاعقدي» أو Hirschsprung Disease أو أسباب طبية أخرى كـ»شذوذ تركيبة القناة الهضمية»… ولكن بعد عمر الثلاث أو الاربع سنوات، يمكن التأكّد من وجود هذه المشكلة، خصوصاً عندما يتكرّر التبرز وبشكل يومي دون وجود سبب أو مرض فيزيولوجي. وتتراوح نسبة حدوث هذا الإضطراب ما بين 0.3-8 %، ونسبة وجوده عند الأطفال الذكور هي 4 أضعاف نسبة للإناث. كما نصف الأطفال الذين يعانون من التبرز اللاإرادي، سبق أن ضبطوا الإخراج بنجاج، قبل أن يعاودوا الإنتكاس لأسباب خاصة نفسية متشعبة، يمكن أن تكون وراء ذلك الإضطراب، الذي يجعل من الطفل فريسة سهلة للشعور بالدونية والقلق.
ADVERTISING
ما هو «التبرز أو التغوط اللاإرادي» عند الأطفال؟
يُعتبر «التبرز اللاإرادي» مشكلة مرضية، حيث تمّ تشخيصها للمرة الاولى عام 1925 من خلال «بوتوسكي»، حيث إعتُبر هذا الإضطراب مماثلاً لسلس البول، من حيث الاسباب ومحاولات العلاج. ولكن لاحقاً، أكّدت الدراسات العلمية الإختلاف الشاسع ما بين الإضطرابين. وحالياً، يعتبر «دليل التشخيص والإحصاء» DSM5 أنّ التغوط اللاإرادي هو:
- تكرار خروج الغائط بشكل طوعي أو غير طوعي في أماكن غير مناسبة (الأرض، الثياب، في المدرسة، على السرير…)،
- التغوط مرة واحدة على الأقل في الشهر لمدة 6 أشهر،
- العمر الزمني والعقلي للشخص لا يقل عن 4 سنوات،
- إستبعاد وجود أي إضطرابات جسدية (فيزيولوجية).
الأسباب النفسية
كثيرة هي الأسباب النفسية التي تدفع هذا الإضطراب للظهور. ومن أهمها، إضطراب إنفعالي وصراع قوي بين الأهل والطفل. فيستخدم هذا الأخير البراز للتعبير عن سخطه وإنزعاجه من والديه وعدائه تجاههما. وأكّدت دراسات نفسية تحليلية وجود تلاحم قوي ما بين علاقة تنافر بين الطفل ووالديه وظهور التغوط اللاإرادي. لذا من العلاجات التي يمكن أن يقترحها الأخصائي النفسي لمعالجة هذه المشكلة هو علاج نفسي ومتابعة نفسية ما بين الطفل وأهله. كما يمكن أن يكون السبب صراع ما بين صورة الأم أو الأب التي كوّنها الطفل خلال تدريبه على ضبط الإخراج. ولكن هذه الصورة كانت «سيئة» بالنسبة له (قاسية أو عدوانية)، فلا بدّ من ردّة فعل وهي عدم تقبّل «عملية الإخراج» التي تمّ تعلمها. ولكن لا يمكن اعتبار نتيجة هذه الدراسات الأسباب النفسية الوحيدة للتغوط اللاإرادي. فطبعاً هناك بعض الدراسات التي نظرت في سلوكيات بعض الأطفال الذين يعانون من هذه المشكلة. وأظهرت النتائج أنّ هؤلاء الأطفال يعانون من إضطراب سلوكي ونفسي وإنفعالي.
كما هناك وجهة نظر مختلفة عن النظرة التحليلية التي تعيد أسباب التغوط اللاإرادي إلى فشل في التعلّم. ويعود هذا الفشل إلى بيئة الطفل الذي عانى في السابق في تعلّم الكثير من المهارات كخلع الثياب أو تعلّم شعور الحاجة للتبرز إلذا في وقت متأخّر. كما يمكن أن تعود أسباب التبرز اللاإرادي (خاصة بعد إنتكاس الطفل والعودة إلى التبرز، بعدما تعلم كيفية ضبط برازه) إلى النقاط التالية:
- سلبية الشعور تجاه ما يخرجه. فمثلاً، إشمئزاز الأهل من هذه العملية تجاه الطفل يمكن أن تؤدي به إلى خوف وإشمئزاز من هذه العملية أيضاً.
- الخوف من الأهل أو التلاعب بمشاعرهم وإنزعاجهم، فضلاً عن العقاب والتوبيخ أثناء التدريب على ضبط الإخراج.
- الخوف أن يكون الطفل وحيداً في الحمام، ما يدفعه إلى عدم إستعماله بل تكون ثيابه المكان المطمئِن له.
- الإخراج المؤلم الناتج من الإمساك.
المعالجة والمتابعة
قبل الإقبال على المعالجة النفسية والمتابعة، يجب إجراء فحص طبي شامل للطفل الذي يعاني من التبرز اللاإرادي. وعندما نتأكّد من سلامته الفيزيولوجية، يجب الإنتقال إلى المرحلة التالية وهي البحث عن السبب النفسي الذي يجعل الطفل يستعمل التبرز لإيصال رسالة ما. ودور الأهل أساسي في هذه المرحلة، وأهمها تحديد ما إذا كان الطفل يعاني من التبرز اللاإرادي الأولي (أي الطفل لم يتعلم أبداً النظافة) أو النوع الثاني، وهو الأكثر شيوعاً وانتشاراً (تعلّم الطفل ضبط عملية الإخراج ولكن لسبب ما، نجد عودة للتبرز اللاإرادي).
متابعة الأهل والطفل على حد سواء مهمة جداً لمعالجة هذه المشكلة. ومن أكثر الإضطرابات التي نجدها في هذا الخصوص، القلق من الأهل تجاه الطفل والقلق الذي يعيشه الطفل تجاه هذه العملية التي يمكن أن يجدها غريبة ومقلقة (مثلاً بسبب قساوة الأهل تجاهه).
كما يمكن أن نخصص للطفل حصصاً علاجية من خلال اللعب والتوجّه إلى العلاج السلوكي مع معرفة عميقة من خلال العلاج التحليلي حول طفولة الطفل لمعرفة أسس هذه المشكلة. كما اللجوء إلى التعزيز الإيجابي للسلوك ومكافأة الطفل بشكل مناسب لعمره.