كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
في الوقت الذي يغرق فيه لبنان أكثر في أزمته الإقتصادية والنقدية، تقف الجارة غير الشقيقة قبرص بفخر على المقلب الآخر من البحر الأبيض المتوسط، لتخطّيها واحدة من أسوأ الأزمات العالمية. التشابه الشكلي بين الأزمتين اللبنانية والقبرصية، لا يعني بالضرورة تجانس الحلول، إنما قد يكون استخلاص العبر مفيداً في هذه المرحلة بالنسبة إلى لبنان.
“نظرة قبرص إلى الأزمة اللبنانية، وأوجه الشبه والإختلاف والوقت الذي يتطلبه”، شكلت محور الحديث مع السفير القبرصي الجديد بنايوتيس كيرياكو Panayiotis Kyriacou، خلال اللقاء الترحيبي الذي نظمه “مجلس الأعمال اللبناني القبرصي” بين السفير ورجال أعمال ومصرفيين لبنانيين في فندق الفينيسيا.
الحديث مع السفير القبرصي يبعث إلى الإطمئنان، أقله بأن الأزمات ممكن حلها مهما صعبت في حال توفّرت الإرادة، إلا ان كرياكو يستدرك سريعاً بأن “وضع لبنان مختلف عن قبرص”، فالأخيرة عضو في الإتحاد الاوروبي وقد جرى مدّها برزمة مساعدات من البنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي، وقد التزمت هي في المقابل بكل الخطوات الاصلاحية بكثير من الدقة والشفافية.
على الرغم من مجاملة كرياكو بأن لديه “إيماناً كبيراً بقدرة لبنان على تخطي المشكلة التي يواجهها اليوم”، فقد أشار إلى أن “القبارصة خاضوا حرباً حقيقية في سبيل الاصلاح وبذلوا الكثير من التضحيات وتقيدوا بالقواعد الصارمة التي فرضها المموّلون، وأداروا بشفافية اعادة بناء القطاع المصرفي والاقتصاد”.
هذه العملية التي لم تتطلب أكثر من سنوات قليلة، بدأت تعطي نتائجها الإيجابية. فقبرص تعتبر من أسرع الإقتصاديات نمواً في منطقة اليورو، وقد حققت نمواً في الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي بنسبة 3.2 في المئة مع التوقع ان يبلغ النمو هذا العام 2.9 في المئة.
المثال القبرصي الناجح في الخروج من أزمتها التي انفجرت في العام 2013 نتيجة حمل مصارفها ديون يونانية كبيرة، سيتكسر على الشواطئ اللبنانية “المقاوِمة”، وما الصراع الذي شهدناه على تشكيل الحكومة سوى الدليل القاطع على عقم العقلية السائدة. “فلغاية اليوم ما زال المسؤولون اللبنانيون يتجنبون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي بإرادتهم من أجل وضع الحلول والسير بها، قبل أن يأتي في النهاية بعد استنفاد الحلول والمهل كوكيل تفليسة”، يقول النائب عماد واكيم. واكيم الذي يأمل ان تكون نظرته إلى هذه الحكومة وقدرتها على اجتراح الحلول خاطئة، يرى ان هذه التشكيلة لا تشجع، خاصة أنه في الايام الأخيرة لم يعد الأفرقاء المولجون تشكيلها قادرين على ضبط أنفسهم ففضحوا كل المستور. ولم نفهم لغاية اللحظة “لماذا أصروا على رفضهم أن تكون هذه الحكومة مستقلة فعلياً كي تنال ثقة الداخل والخارج، مع العلم ان الاكثرية النيابية معهم ولديهم القدرة على طرح الثقة بها في المجلس النيابي وقتما أرادوا”.
الأزمة اللبنانية، تبقى في نظر ناشر مجلة “ليبانون أوبرتينيوتي” رمزي الحافظ “سياسية وليست إقتصادية”، وإنطلاقاً من هذا الرأي فهي “لا تشبه بأي شكل من الأشكال الازمة القبرصية المالية. ففي قبرص كانت هناك جهة تأخذ القرارات وتطبقها على عكس مبدأ الديموقراطية التوافقية السائدة عندنا. ويجب ألا ننسى ان قبرص تقع في اوروبا في حين ان لبنان يقع في ايران”. وبرأي الحافظ فإن “التفتيش عن حلول إقتصادية هو تمرين أكاديمي ليس إلا. وأن الأزمة لن تحل طالما هناك حزب قوي يورّط لبنان في حروب المنطقة”.
إستحالة تطبيق لبنان الحل الذي اعتمدته قبرص للخروج من أزمتها، لا يعني عدم استفادة رجال الاعمال اللبنانيين من الفرص الهائلة التي توفرها الجزيرة الأوروبية في مختلف المجالات المصرفية والخدماتية والتجارية والسياحية.
وبحسب رئيس مجلس الأعمال اللبناني القبرصي جورج شهوان فإنه “منذ تأسيس المجلس في العام 2016 هدف إلى نسج أفضل العلاقات وفتح أبواب الإستثمار أمام رجال الاعمال اللبنانيين، وتوفير أفضل الفرص لهم وتأمين وصولهم إلى المعلومات التي يحتاجونها.
وما اللقاء اليوم إلا خطوة في سبيل تحقيق هذا المشروع”. شهوان الذي أكد ان المجلس “سينظم خلال الأشهر القادمة لقاءات موسعة بين رجال الأعمال اللبنانيين والوزراء المختصين”، أشار إلى ان “الإستثمارات اللبنانية في قبرص بدأت تتراجع نتيجة صعوبة التحويل إلى الخارج، والهدف اليوم هو تشجيع القبارصة على الإستثمار في لبنان”.