قد يكون اللبنانيون اعتادوا فكرة وجود “دولة ضمن دولة”، يبرّرها التهديد الاسرائيلي الدائم للبنان وارضه وثرواته، بحيث يملك حزب الله ترسانة اسلحة وصواريخ، تضاهي، كمًّا ونوعا، تلك التي تملكها المؤسسات العسكرية والامنية الشرعية اللبنانية، للتصدي لاي اعتداء محتمل. وقد يكونون ايضا “تآخوا”، على مضض، مع فكرة ان هذا السلاح أعطى مَن يحملونه، فائضَ قوّة، يسيّلونه ليس فقط “سياسيا” انما “أمنيا” ايضا، بحيث باتت المناطق التي ينتشرون فيها، من البقاع الى الجنوب وضواحي العاصمة، مربعات امنية يستحيل على الدولة وأجهزتها، دخولها، يلجأ اليها هاربون الى العدالة ومطلوبون، فتؤمّن لهم الحصن المنيع.. كل ذلك فيما تنام البيئة المؤيدة للدويلة “على حرير” لمعرفتها ان كل من ينتمي اليها يُعدّ مواطنا “درجة أولى”، وان قياداتها، ستحمي ظهره مهما فعل! الا ان الامر الواقع هذا، الذي سكت عنه اللبنانيون عقودا، بات اليوم يشكّل عبئا ثقيلا على السواد الاعظم منهم، وعاملا مزعجا لهم، وفق ما تقول مصادر سيادية لـ”المركزية”. ففائض القوة الذي يُفترض ان يُمارس في وجه العدو الاسرائيلي ليخلق توازن رعب رادع له، بات في الواقع، يُصرف ضد اللبنانيين العزّل، لترهيبهم وقمعهم.
وبعد ان كان 7 ايار -2008 الذي وصفه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله باليوم المجيد- المثال الابرز على ادارة السلاح من العدو الى الداخل، كرّت في الفترة الاخيرة، وتحديدا منذ اندلاع ثورة 17 تشرين، سبحة الممارسات القمعية التي قام بها مناصرو الثنائي الشيعي، على الارض. حزب الله وأمل اعتبرا ان في الانتفاضة تطبيقا لمشروع اميركي – صهيوني يستهدف قوى المقاومة والممانعة في لبنان والمنطقة.
وعليه، تحرّك مؤيدوهما لاحباطها، ولا يزالون! هم اعتدوا على المتظاهرين وخيمهم في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، مرارا وتكرارا، وواجهوا الثوار على جسر الرينغ وانتهاك حرمات الشوارع والاحياء السكنية الآمنة في الاشرفية والمحيط، قبل ان ينتقلوا لمواجهة المتظاهرين في بعلبك وصور والنبطية، وهي المناطق التي يعتبرون ان ولاءها يُفترض ان يكون مطلقا للثنائي… غير ان هذه الممارسات العنفية الشاذة، التي تصفها المصادر بـ”البلطجة”، باقية وتتمدد على ما يبدو. وكان آخرها صباح اليوم حيث اعتدى حزبيون بالضرب، بالعصي والهراوات، على متظاهرين كانوا يجولون على مراكز يعتبرونها مزاريب هدر وفساد، وقد “تجرّأوا”، على التوقف امام مجلس الجنوب! فبعد ان كانت الاساءة الى “الزعيم” محرّمة، يبدو ان التعرض للمؤسسات التي أنشأها (والتي كانت الورقة الاقتصادية الاخيرة للحكومة السابقة، للمفارقة” تعهدت اقفالها)، ايضا خطا احمر! على اي حال، تضيف المصادر، يبدو ان هذه المؤسسات التي يفترض ان تكون للناس لا لشخص، باتت مطوّبة لأفراد ويعتبرونها ملكا خاصا. وما يحصل في محيط مجلس النواب منذ ايام خير دليل. فالاقتراب من البرلمان بات يُصوَّر وكأنه اعتداء على رئيس او على طائفة، فيما لا تتورع الشرطة المولجة حماية المجلس عن رمي المتظاهرين بالحجارة من على اسطح المباني، وفق ما كشفت وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن أمس.
وليكتمل المشهد، يتعرض بعض مؤيدي “الدويلة” لوسائل اعلام، على حواجز غير شرعية تقيمها هي، ليس لشيء الا لأنها تعتبر ان هذه المحطة لا “تهلّل” لخط مرجعيتهم السياسي، بدليل ما حصل منذ ايام قليلة، مع فريق عمل تلفزيون “ام تي في” في جلالا البقاعية. ..وسط شريعة الغاب هذه، هل لا يزال إنقاذ الدولة وهيبتها ممكن؟ وهل مَن يكترث لهذا الهمّ؟ من الضروري ان يكون الجواب ايجابيا، والا فاننا عائدون حتما الى المظاهر التي رافقت الحرب الاهلية بعد ان انكفأت الشرعية عن القيام بواجباتها وتنازلت عن حقوقها…