كتبت ماري الأشقر في الجمهورية:
لكنّ البكاء لا يحرر المرء من وطأة الارهاق والألم والانفعال فحسب، بل هو صحي أيضاً. أكّد العالم البيوكيميائي «ويليا فراي»، الباحث في المركز الطبي في ولاية مينوستا، أنّ الدموع التي تسيل بسبب ضيق أو شدة نفسية تحتوي على سموم كيميائية، في حين أنّ الدموع التي تنهمر من العينين لا تحتوي على مثل تلك السموم. وليبرهن نظريته، أجرى اختباراً طالباً من بعض الأشخاص مشاهدة أفلام سينمائيّة مؤثّرة أدّت إلى انهمار دموعهم.
في ذلك الوقت، قام المساعدون بأخذ عيّنة عنها من العيون. وفي اختبار آخر جعل الدموع تسيل جرّاء تقطيع البصل، وتبيّن أنّ الدموع التي سالت تأثراً بالفيلم السينمائي العاطفي، كانت تحتوي على مواد سامة، على عكس الدموع التي سبّبتها انبعاثات البصل التي لم تحتو على أية مادة سامة.
وخَلص العالم «فراي» إلى التأكيد بأنّ الذين يحزنون أو يكتئبون ولا يستطيعون البكاء أو يحاولون ضبط أنفسهم، يعانون عدم استقرار في التفاعلات الكيميائية التي تحدث في الخلايا والدم، وتقع المسؤولية في ذلك على السموم التي لم تُطرد من الجسم من خلال الدموع.
في هذا الصدد، أضاف الدكتور «هانس سايل»، رئيس المعهد الدولي للإرهاق في جامعة مونريال، قائلاً: «أدركنا أنّ سبب الكثير من الأمراض الشائعة هو عدم القدرة على التخلّص من الارهاق». وهذا حسب رأي «فراي»، يمكن أن يوضح لماذا يعاني الرجال في أغلب الأحيان من الأمراض التي يسبّبها الارهاق، إذ إنهم نادراً ما يبكون، وبالتالي نادراً ما يخففون من أعباء أمراضهم ومعاناتهم بالبكاء، كما تفعل النساء.
ما هي الدموع ولماذا يبكي المرء؟
مبدئيّاً للدموع وظيفة وقائية… وهذا السائل ينتج في غدة الدموع من مصل الدم ويُساق إلى الخارج، حيث يوزّع بواسطة الجفون على القرنية. تحتوي الدموع على مواد بروتينية وعلى 1 في المئة من ملح الطعام، وهي خفيفة ومالحة قليلاً، ولها تأثير مضاد للجراثيم. كما أنها تطهّر القرنية وتغذّيها وتعقّم النسيج. علماً انّ الميل إلى البكاء يأخذ أشكالاً مختلفة من شخص لآخر، والبكاء أساساً هو وسيلة للاسترخاء أي للتخلص من التوتر، تماماً مثل الضحك، حيث يشعر المرء أنه متحرر من ضيقه ويشعر بالانفراج النفسي. فالضحك سعادة وراحة.
ليس من المستحسن أبداً أن يحبس الانسان دموعه، لأنه إذا فعل ذلك، سيشعر بأنه على وشك الانفجار حين يصل الدمع إلى عينيه. أمّا البكاء بقلّة أو بغزارة فهو أمر يختلف من إنسان الى آخر: فبعض الناس دموعهم سخية، كما يقال، يذرفونها عند أقل حادثة عاطفية. كما يستطيع البعض الآخر ذرف الدموع حسب مشيئته، كالشعور بالألم أو بمعاناة ما أو بخيبة أمل أو عند السرور. ويتدرب الممثلون على ذلك حتى يصبح بإمكانهم اتقانه. أمّا لمن يبكي تصنّعاً وافتعالاً، فيقال إنه يذرف دموع التماسيح لأنّ دموع هذا الحيوان تسيل بصورة دائمة. وبعض النساء لديهنّ «موهبة البكاء الفوري»، خصوصاً عندما يردن الحصول على شيء ما.
لطالما وُصف الدمع بأنه سلاح المرأة الأشد تأثيراً. وفي المقابل، إنّ الرجال غالباً ما يشعرون بالضيق والاحراج أمام المرأة الباكية ونادراً ما تخطئ الدموع تأثيرها الفعّال، سواء من أجل استدرار العطف او بعث الاستياء… ويبقى السؤال لماذا نبكي؟
عندما نبكي من الهم والحزن والانزعاج والغضب وخيبة الامل، وأحياناً من الفرح، فنحن نفعل ذلك لأنّه يخفف عنّا ونعمل للتخلّص من أساس المشكلة، لكنّ البكاء لا يخفف عنّا. يقول عالم نفساني: انّ الدموع تظهر مدى يأس المرء وقنوطه، ويمكن ان يكون سببها بعض الفشل. وأنا أكون مرتبكاً ومتضايقاً اذا لم يكن بإمكاني أن أبكي بصورة منتظمة والبكاء جميل… ولكن يجب ألّا ينسى المرء العمل على إنهاء الازمة التي تسبّب له البكاء.
ويقول طبيب آخر: أحاول دائماً أن أعالج الشخص ككل، واذا ما أخذ شخص بالبكاء في عيادتي أحاول أن أواسيه عبر معانقته أو التربيت على كتفه، لكنني لا أعده بالآمال الكاذبة. وحين أجد نفسي عاجزاً عن تقديم المساعدة له، فإنّ الدموع تترقرق أحياناً في عيني. لكن بعض الناس لا يعد باستطاعتهم البكاء لأنهم ذرفوا الدموع بكثرة في السابق من دون جدوى. واذا كان البكاء هو صمّام أمان للتخلص من الارهاق، فليس من الضروري أن نجعل من البكاء منهجاً وعادة. فالركون إلى البكاء إزاء أية عقبة او شدة هو موقف سلبي يجعلنا نسقط في هوة العجز، والتفتيش عن حل للمشاكل من خلال البدء بالبكاء هو الانفع والاجدى. تعددت الاسباب والبكاء واحد. نحن نبكي من الحزن والالم ومن الفرح أيضاً.