أكد عضو تكتل الجمهورية القوية النائب بيار بو عاصي أن الازمة اللبنانية لم تكن لا قدرية ولا حتمية وكنا تجنبناها لو اتخذ قرار سياسي سليم، مؤكدا ان اللبناني ضحية امرين على الاقل هما: النقص في الرؤية والفساد.
واعتبر ان الازمة الاجتماعية مرتبطة بالازمة الاقتصادية التي بدورها ترتبط بالازمة النقدية المتأثرة بالازمة المالية التي تنتج من السياسة، مشددا على انه في غياب القرار السياسي او الرؤية السياسية الانهيار نتيجة اكيدة، وموضحا انه من غير الممكن ان يستمر المجتمع من دون دولة او قرار مركزي فهذا امر غير واقعي في هذا القرن.
واسف لان المواطن اللبناني قام بواجباته الا ان الدولة اخطأت، مشددا على ان الموقف السياسي الواعي والسياسات العامة اساس كل شيء، وبغيابها وبتفشي الهدر والفساد تقتل الدولة طاقات شعبها، ومؤكدا ان هذه الطاقات اضافة الى المستوى العلمي والثقافي ستبقى الغنى الاهم للمجتمع.
وتطرق بو عاصي الى قطاع الكهرباء، شارحا: “الفساد في هذا القطاع حدث ولا حرج والدولة تقوم بدعمه بنسبة 11%، من يريد ان يزعل فليزعل ومن يريد اتهامنا بالعرقلة فليتهم. من غير الممكن ترك موضوع البواخر سنتين من دون خطة واضحة، كان من الممكن ان تكون البواخر حلا جيدا ولكن من دون رؤية او خطة واضحة لن تكون الحل. في الحكومة التي كنت فيها وزير وافقنا على الخطة ولكن اختفت مع الحكومة التي اتت بعدها وعدنا الى البداية. اجرينا بحثا السنة الماضية عن هذا القطاع وتبين ان 62 الف فاتورة لم يتم جبايتهم وهذا نوع من الهدر غير التقني الذي يضاف الى الهدر التقني الكبير ما يكلف خزينة الدولة مليارات الدولار”.
كما تحدث عن قطاع الاتصالات معتبرا ان اللبنانيين لديهم الخدمة الاسوأ بالسعر الأغلى الذي تستفيد منه الشركات، مشيرا الى ان الدين العام، دعم الكهرباء والرواتب امور اغرقت الدولة اضافة الى مشكلة الجمارك والمعابر غير الشرعية.
كلام بو عاصي جاء خلال مشاركته والاعلامي الاقتصادي موريس متى في لقاء مفتوح نظمت منسقية بعبدا في القوات اللبنانية في المجمع الثقافي – فوروم الشياح بعنوان “الوضع الاقتصادي والاجتماعي: اسباب، نتائج وحلول”، واداره الدكتور في الاقتصاد والمحاضر في جامعة الحكمة مروان خاطر.
ورأى بو عاصي ان الازمة التي نمر بها ازمة كبيرة من دون اي شك واسوأ ما فيها انها طالت الجميع من دون استثناء، وتأثرت فيها كل عائلة في لبنان ما يعد سببا كافيا لاعتبارها الازمة الاكبر ومن اولى الاوليات معالجتها.
واستطرد بتوصيف الحالة متحدثا عن الازمة الاجتماعية التي كان للبنك الدولي تعليق عليها، وقال: “تحدث البنك الدولي عن هذه الازمة التي افهم معناها كوزير اسبق للشؤون الاجتماعية فنسبة الفقر ترتفع من 30% الى 50% وهذا رقم مخيف قلما حدث في مجتمعات معينة، وكذلك نسبة البطالة التي بات لا وجود لها في اي مكان الا في لبنان اذ تخطت الـ30% وفي بعض احياء طرابلس وصلت الى 60%.”
كما اشار الى ان هذه الازمة في بلد كلبنان لا تقدم دولته امورا اساسية للطبقات الفقيرة ناتجة عن ازمة اقتصادية، فعندما ضرب الاقتصاد نتج عنه مباشرة ازمة اجتماعية ولم تلعب الدولة الدور الكافي لتخفيف حدة هذه الصدمة. اضاف: “في “برنامج دعم الاسر الاكثر فقرا” التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية استطعنا رفع نسبة المستفيدين من بطاقة التغذية من 10 الى 15 الف عائلة ولكن الدولة اللبنانية لا تتكفل بدولار واحد في هذا المشروع بل هو ممول بشكل كامل من الخارج، اي ان الدولة لم تستطع حتى مساعدة الفقراء ودعمهم بدولار واحد في اليوم.”
بو عاصي لفت الى ان المشكلة الاقتصادية تاثرت في المشكلة النقدية، متوقفا عند مثل واقعي صادم وهو معانة المستشفيات من شح في المعدات الطبية وعدم تصنيع بعض المواد في لبنان كالشاش مثلا، لذا علينا استيرادها وذلك يحصل بالدولار.
واكد بو عاصي انه كان لهذه المشاكل حلول لولا انها تعود لأزمة مالية بسبب الادارة الخاطئة لمالية الدولة التي ادت الى انهيار المال العام وربط الدولة من خلال اليوروبوند وسندات الخزينة بالمصارف ما دفع لسقوطها ايضا.
بو عاصي شدد على اننا كنا تجنبنا هذه الازمة لو اتخذ قرار سياسي سليم، مؤكدا ان اللبناني ضحية امرين على الاقل هما: النقص في الرؤية والفساد. واعتبر الا يمكن الفصل بين الفساد والهدر، خصوصا ان الاخير لا يأتي عن غير معرفة كالتوظيف العشوائي والامور الاخرى. كما ان هناك اشخاصا واحزابا استطاعت ان تمول نفسها من الفساد لسنوات عدة حتى رأينا تماهٍ كبير بين المسؤول السياسي وحزبه واصبحنا نتحدث عن مليارات الدولارات.
ركز بو عاصي على ان الفساد ليس معزولا بل هو منظم ويقلب الاولويات ما يعد الامر الاسوأ بعد السرقة، مشيرا الى ان الازمة اللبنانية لم تكن لا قدرية ولا حتمية وكان يمكننا ان نصبح في مكان مختلف اليوم.
اضاف: “تدفع الدولة اللبنانية 40% من موازنتها لرواتب ومعاشات التقاعد ويدرك الجميع ان الخدمة الفعلية في القطاع العام سيئة، اما الدولة الفرنسية التي من المعروف ان قطاعها العام مميز وخدمتها ممتازة فتشكل كلفة الرواتب ومعاشات التقاعد 15% من الموازنة فقط. من غير المقبول ان يكون 40 % من موازنتنا السنوية مخصصاً للرواتب والاجور والتقاعد. صدر قانون بعد آب 2017 قضى بوقف التوظيف ورغم ذلك تم ادخال 5300 شخص الى الادارة، فهل لنا ان نعرف من هم؟!”
اردف: “انا اقدمت على فسخ عقود 600 موظف خلال وجودي في وزارة الشؤون الاجتماعية ولم ينعكس ذلك على مردودية العمل، واشدد بانني لا ادعي البطولة جراء القيام بهذه الخطوة فمن الصعب ان يخسر المرء عمله وآسف لإتخاذ هكذا قرار ولا اقلل من كفاءاتهم. فلماذا لا يتجرؤون على توقيف هؤلاء الـ5300 موظف عن العمل؟!”.
وهنا رأى ان لمسألة التوظيف جانب اقتصادي وامالي واجتماعي كبير، ولكن للأسف لا رؤية لدى الدولة اللبنانية لمقاربة هذه المسألة.
كذلك اوضح بو عاصي ان هذا الوضع ليس قدريا، لان لبنان ليس دولة فقيرة على الرغم من عدم وجود موارد طبيعية الا انه يتمتع بحركة اقتصادية وديناميكية وكفاءة عالية لدى ابنائه. ولفت الى ان الناتج المحلي على عدد السكان، في عدد كبير من الدول الافريقية التي يذهب اليها اللبنايون لجني الاموال، لا يتخطى الـ1000 دولار، اما الناتج المحلي على عدد السكان في لبنان يصل الى 15000 دولار، ما يعني انه للبلد مقدرات اقتصادية كافية كي لا يخسر ولكن المشكلة ان ما انتجه ابناؤه وضع في خزينة الدولة التي خسرت بدورها.
وبالحديث عن الميزان التجاري، ذكر ان مشكلته ليست حديثة بل فيه خلل منذ سنوات اذ يصدر البلد 3 مليار دولار ويستورد 20 ملياراً ما يتطلب وقتا طويلا لانهاء هذا العجز، في وقت لم تقم الدولة بالمجهود الكامل والفعلي ليكون لبعض البضائع التي نصدرها الجودة المطلوبة والشروط المفروضة كما ان الصناعة اللبنانية ليست ضخمة رغم انها تغطي حاجات السوق.
بو عاصي رأى ان ما يمكن فعله هو تحسين ميزان المدفوعات الذي انقذ البلد في السنوات الـ25 الماضية، مركزا على الدور الذي لعبته السياحة بتشغيل يد عاملة لبنانية وقطاعات انتاجية، وخصوصا السياحة من الخليج العربي واللبنانيين المغتربين اضافة الى الاستثمارات الخليجية التي ضربت جراء مواقف طرف سياسي واحد انهى السياحة الخليجية واوقف استثماراتها.
وعلق بو عاصي على تجنب بعض السياسيين الاختلاط بالشعب قائلا: “لفتني في هذه الايام ان السياسيين يهربون من الناس خوفا مما قد يحدث وهربا من كثرة الطلبات في وقت يركضون خلفهم في الانتخابات النيابية، ولكن نحن نعتبر ان هذا واجبنا وهؤلاء هم ناسنا واللحظة التي نتردد فيها بملاقاة الناس يعني اننا يجب ان نعتزل العمل السياسي”.
ورداً على سؤال، اجاب: “ان كان الناس في الشارع فالقوات في الشارع، لأنها دوماً مع الناس وقضاياهم وهمومهم. اذكر اننا طالبنا بحكومة تكنوقراط قبل 17 تشرين الاول، وهذه خطوة لا يقدم عليها احد ان كان لديه 4 وزراء. حزب بحجم القوات اللبنانية يطالب بحكومة لا يشارك فيه ويقدم على الاستقالة من الحكومة، هذه خطوة ليست سهلة او اعتيادية”.
واشار الى ان الشعب كان قد طرح حكومة اختصاصيين مستقلين كي تجد حل في هذا الظرف الا ان النتيجة كانت “حكومة لا من اختصاصيين ولا من مستقلين”.
واستغرب كيف لمجموعة سياسية قدمت تضحيات كبيرة ان تقبل بالوضع القائم وان تتأقلم مع هذا الواقع المذري، متحدثا عن ضرورة التفاعل مع الناس والوقوف الى جانبهم والركض امامهم لمساعدتهم لايجاد حل لهذا الواقع.