كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
كان واضحاً من خلال موقف مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر وقوله “إن الولايات المتحدة ستتابع عن كثب إن كانت الحكومة الجديدة ملتزمة بمحاربة الفساد وإخراج لبنان من أزمته المالية”، أنّ الإدارة الاميركية لم تقفل الباب أمام الحكومة الجديدة برئاسة حسان دياب. بعكس ما كان متوقعاً لم يصف الحكومة على انها حكومة “حزب الله” ولم يقطع الطريق على العلاقة معها بل تعمّد أن يبقى باب إدارة بلاده مع الحكومة الجديدة “موارباً”. ويُستشف من كلام شينكر أن الادارة الاميركية وضعت لبنان وحكومته قيد المراقبة، وهي ستتابع استقلالية الحكومة الجديدة وعلاقاتها مع الدول الخارجية، والبنود الإصلاحية التي ستنجزها ومكافحة الفساد.
وفي السياق نفسه ورد كلام مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابق جيفري فيلتمان الذي قال: “أنا لا أوصي بأن يتم قطع تام للعلاقات مع لبنان بشكل استباقي، بل من المهم جداً أن نرى ما ستفعله هذه الحكومة، وكيف ستستجيب لمطالب المحتجّين وتتعامل مع القضايا الاقتصادية”. ولو ان فيلتمان لم يعد معنياً بالملف اللبناني مباشرة، لكن تبقى لكلامه مكانة على مستوى السياسة الاميركية ولو انه قد لا يؤشر الى حقيقة الموقف الأميركي.
وفي مكان ما يحتل الموقف الاميركي أهمية من ناحية كونه لم يرد في سياق السلبية الحادة، ولو الملف اللبناني بشموليته لم يعد يشكل أولوية للإدارة المنهمكة حالياً بانتخاباتها الرئاسية واجراءات عزل رئيسها، فضلاً عن ملفات أكثر تعقيداً في المنطقة، ولو أبقت عينها على لبنان في أوقات متقطعة من باب الالتفات إلى مصالحها قبل أي اعتبارات أخرى.
فالإدارة الأميركية الراهنة التي عرفت على أنها إدارة ابرام الصفقات لا يمكن أن تعطي من دون مقابل وهذه سياسة ستعتمدها مع لبنان أيضاً، إذ إنها ستشترط لأي مساعدة انجازاً لبنانياً في ملف من الملفات من بينها ترسيم الحدود، ملف استخراج النفط وملف العلاقات مع إيران ووضعية “حزب الله” والتضييق عليه اقتصادياً.
في تقدير ديبلوماسي أن الإدارة الأميركية ستتعاطى مع الحكومة الجديدة “بناءً على أفعالها من دون أن تنتهج سياسة عدائية ضدها لمجرد أن “حزب الله” يؤيدها”، وإن كانت لن تهادن في حربها في مواجهته أو فرض عقوبات جديدة ضده وضد حلفائه بوصف العقوبات ملفاً آخر منفصلاً تماماً عن الملف السياسي.
يضع الأميركي حكومة حسان دياب تحت الضغط من ناحية طريقة عملها وإدارتها للبلاد وللمال العام، خصوصاً وأن الجانب الأميركي يريد التأسيس لمرحلة جديدة مقبلة تحت عنوان مراقبة إنفاق المال العام ومكافحة الفساد، تحسباً للمرحلة المقبلة التي يحتل ملف النفط عنوانها الأبرز، وهو يدخل في صلب الاهتمام الأميركي. وعلى قدر ما هو المجتمع اللبناني يحتاج إلى التغيير كذلك صار المجتمع الدولي يطالب به حفاظاً على مصالحه وعلى المساعدات التي تعطى لهذا البلد وآلية إنفاقها. والمطلوب دولياً خلق منسوب عال من الشفافية تمهيداً لدخول لبنان إلى نادي الدول النفطية.
وكما الموقف الاميركي كذلك كان موقف الدول الاوروبية التي نقلت عبر سفرائها إلى دياب دعماً واستعداداً للمساعدة شرط القيام بإصلاحات معينة ووقف الهدر والفساد في القطاع العام. حتى أن السفير الفرنسي لم يتردد في القول إنّ لبنان لو كان بذل جهداً إضافياً لكان اليوم يتنعم بعائدات “سيدر”.
وعلم أن أجواء عربية مماثلة نقلها عدد من الديبلوماسيين العرب لرئيس الحكومة ممن وعدوا بمساعدة بلادهم بعد نيل الحكومة الثقة. وهي الفترة التي يستعد رئيس الحكومة بعدها مباشرة للقيام بجولة على دول الخليج طلباً للمساعدة.
دياب والامتحان الصعب
تحت مجهر المراقبة الدولية، تسلّم دياب رئاسته للحكومة في أعقد ظرف يمكن أن يشهده لبنان في تاريخه، حتى في زمن الحرب لم يواجه أزمة مالية واقتصادية كالتي يواجهها، ومن غير المنصف أو العادل أن يطلب من حكومته تحقيق المعجزات في وقت قياسي إلا أن هذا لا يعفي من أن يخوض عملية اصلاح وانقاذ أو ادارة للأزمة على أبعد تقدير ووقف النزف.
يدرك رئيس الحكومة الأعباء التي تحيط بعمل حكومته والإمتحان الصعب الذي يخضع إليه، وعين المراقب لن ترحم لا محلياً ولا خارجياً. وخلال لقائه بالوزراء شدد دياب على أن حكومته ستعمل على خطين: داخلي من خلال التعاطي مع المال العام بطريقة مختلفة ووقف الهدر ومعالجة مكامن الفساد، وخارجي لطلب المساعدات الدولية.
طلب من الوزراء وضع خطط واضحة وجريئة وقابلة للتنفيذ في وزاراتهم بحيث يلمس اللبنانيون الفرق خلال فترة قصيرة، وفي الشق السياسي سيكون البيان الوزاري للحكومة في مكان ثان ومختلف بحيث يصار إلى التأكيد على علاقات لبنان مع محيطة العربي والمجتمع الدولي وأهمية النأي بالنفس “سيكون بياناً رشيقاً وخالياً من المفردات الإنشائية ودقيقاً وبنوده قابلة للتنفيذ” وفق مصادر وزارية. ما سيحاول فعله دياب وفق المحيطين به انه سيعمل على انسلاخ سلس وتدريجي عن النموذج القديم في المعالجة قد يكون موجعاً.
وبعد وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، تحدث شينكر كما فيلتمان عن مسألة مكافحة الفساد والاصلاحات المطلوبة ما يعني ان لبنان بحكومته الجديدة سيكون على محك المحاسبة وإن أي مساعدة ستكون مشروطة لأن الزمن الأول في المساعدات قد تغيّر والمواجهة اليوم مالية واقتصادية أكثر منها سياسية.