كتب علي الأمين في “نداء الوطن”:
يبدو ان إيران و”شيعتها” وشيعها في المنطقة ليسوا بأفضل أحوالهم هذه الأيام، فهي تعيش وإياهم إستحقاقات وتحديات وجودية بفعل انقلاب السحر الأميركي على سحَرتهم، الذي “سحب البساط” من تحتهم، وجعلهم يتهاوون كأحجار “الدومينو”، و يتقهقرون من العراق إلى لبنان بعد اليمن.
بداية من العراق، فإن انخراط عناصر الميليشيات العراقية التابعة لإيران في مؤسسات الدولة العراقية، هي الوسيلة الأبرز التي تعتمدها إيران على ما يبدو في عملية الرد على الانكشاف الشعبي والسياسي، فضلاً عن الانكشاف الأمني الذي سببته الانتفاضة العراقية المستمرة، واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
في هذا السياق، كشف مسؤول رسمي عراقي لـ”نداء الوطن” أن “القيادة الايرانية أوعزت لمسؤولين في بعض الوزارات وبالتنسيق مع رئاسة الحكومة المستقيلة، بضرورة توفير الشروط الادارية والعملية لادخال أعداد كبيرة من العناصر الميليشيوية الى القطاع العام، بوظائف مدنية وعسكرية واخرى وهمية”.
لا تعني هذه الخطوة بحسب المسؤول العراقي، ان انصار ايران ليسوا في الادارة العامة ومفاصلها في العراق، فهم موجودون، ولكن ما جرى قبل سنوات اي مع انفجار الثورة السورية ومع نشوء تنظيم داعش، فان قائد فيلق القدس سليماني، اولى اهتماماً خاصاً بانشاء ميليشيات ترتبط ايديولوجياً بالحرس الثوري وبمنظومة ولاية الفقيه، وتأتمر به. ولفت المسؤول العراقي إلى ان الموازنات المالية لهذه الميليشيات توفّرها الحكومة العراقية ومن ضمن الموازنة العامة في جانبها المتعلق بتمويل الحشد الشعبي.
إيران لن تواجه واشنطن
بخلاف التوقعات فان القيادة الايرانية لن تذهب إلى خيار المواجهة الأمنية والعسكرية مع واشنطن، لا سيما أن القرار الرسمي العراقي بما فيه موقع المرجعية الشيعية في النجف، لن يغطي اي مواجهة مع الوجود الاميركي، باعتبار ان ذلك سيهدد كل المنظومة السياسية التي قامت على انقاض حكم نظام البعث السابق، لذا سيبقى التنازع الاميركي الايراني في حدود المناوشات ولن يغامر اطراف السلطة العميقة في عراق اليوم بمكاسب السلطة التي يعود للاميركيين فضل قيامها اولاً، ولإيران بدرجة ثانية.
وتُعتبر الانتفاضة العراقية هي ما اربكت معادلة السلطة هذه، واثارت مخاوف من تغييرات في بنية “النظام”، لذا كان موقف المرجعية الشيعية بما تمثله، يوازن بين دعم مطالب الانتفاضة في الاصلاح وتغيير الحكومة والبرلمان من جهة، وبين المحافظة على بنية النظام الذي قام بعد العام 2003 من جهة ثانية، بما يحول دون حدوث انقلاب على النظام وتوفير سبل إصلاح هي بالضرورة ستوفر عناصر قوة وصمود له.
إيران والحرب الناعمة
ليست الاستراتيجية التي تعتمد في العراق، مختلفة في قواعدها عن لبنان من قبل إيران، الهدف الأساس هو الحفاظ على النظام والسلطة، سواء في لبنان او العراق، وفي قراءة تداعيات اغتيال سليماني، يمكن ملاحظة ان ايران تنتقل من الحرب بالقوة العسكرية الى الحرب الناعمة. فاغتيال سليماني كان المفصل الذي انهى ما يسمى الأذرع العسكرية الايرانية، وعزّز مفهوم السيطرة والنفوذ من خلال النظام والدولة في لبنان والعراق وسوريا الى حدّ بعيد، لا يعني ذلك ان تعزيز النفوذ في مفاصل الدولة والنظام لم يكن قائماً في لبنان، انما بات العنصر العسكري هامشياً بعد ان فُقد صاحبه والمروّج له – اي سليماني.
الحكومة اللبنانية و…”الصفعة”!
في لبنان لم تكن الحكومة الجديدة “صفعة” في وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما قال القيادي في “حزب الله” نبيل قاووق امس، ربما هي صفعة للبنانيين كما تشير الاعتراضات عليها في الشارع، المهم في كلام قاووق وصف الحكومة بانها “ليست حكومة مواجهة”، هذا بالنسبة إلى الاميركيين، وربما تسمية عماد حب الله وزيراً للصناعة مع حرص ان يكون حاملاً الجنسية الاميركية، بالاضافة الى كونه متزوجاً من اميركية (غير مجنسة) هو ابرز المواصفات التي يريدها “حزب الله” بممثله في الحكومة، وقد لا تبدو هذه الرسالة مهمة للاميركيين لكن بالتأكيد ان قيادة “حزب الله” كانت تنظر الى هذا الجانب باهتمام شديد باعتباره اهم ما في مواصفات وزير الصناعة الجديد.
“حزب الله” وشراكة الأزمة
ازاء الأزمة المالية والاقتصادية، كان “حزب الله” في الحد الأدنى شريكاً في صناعتها، وفي الحدّ الأقصى احد ابرز مسبباتها من خلال الحسابات الايرانية السياسية التي فرضها على اللبنانيين، ومن خلال رعاية وحماية منظومة الفساد في الدولة. لذا يدرك “حزب الله” الذي تنعّم بالسلطة وادارها وقسّم المغانم على اركانها، انها باتت عنصر وجوده وقوته، وهو هذه المرة لم يعد قادراً على ممارسة لعبة الخداع التي مارسها منذ العام 2005 اي انه زاهد بالسلطة ولا أمنية له الا تحرير فلسطين او الشهادة، هذا التخفي لم يعد متاحاً، ولم يعد قادراً ان يحكم من دون ان يتحمل المسؤولية، ولن يستطيع في ظل حكومة حسان دياب التي شكلها، ان يعتبر نفسه غير مسؤول عن افعالها، خصوصاً ان النائب حسن فضل الله أضفى عليها وصفاً استثنائياً، عندما قال امس الأول “انها افضل حكومة شهدها لبنان منذ عام 1989”.
سلاح الحرب بين التراجع والإنتهاء
ماذا يعني ما سبق من تبدلات في اولويات “حزب الله” وحساباته؟ الثابت هو حماية النظام والمحافظة على النفوذ في السلطة، ان لم يكن تعزيزه، واذا كان السلاح وفّر في السابق تمدّد “حزب الله” داخل السلطة، فان وظيفة هذا السلاح التي تراجعت ان لم تكن انتهت، لم تعد وسيلة ناجعة لحماية معادلة الحكم والتحكّم، التي تواجه مأزقاً من طبيعة مالية ونقدية وشبكات فساد متجذرة ومستفحلة فيها.
مواجهة هذا التحدي غير واضحة، بل مربكة لـ”حزب الله”، سواء عبر اتجاه الخيارات التي يمكن ان يتخذها، او على مستوى القضية التي سيحملها في المرحلة المقبلة، المقاومة ليست حلاًّ ولا وسيلة هروب طالما هو عاجز عن تلبية ادنى متطلباتها داخل بيئته، فضلاً عن المتطلبات الاستراتيجية التي تبدلت وتغيرت مع الدور الروسي المستجد في سوريا واسرائيل، قبل الحديث عن الحسابات الاميركية، ومن دون إغفال ان هذه الوضعية التي تحمي اسرائيل، لم تكن لتتحقق من دون الجهود و”الجهاد” المضني لايران واذرعها في سوريا، ولدور سليماني في اقناع الرئيس الروسي للدخول الى سوريا قبل خمس سنوات.
“حزب الله” والدور الجديد
التحديات المستجدة التي فرضتها الانتفاضة في لبنان، وحال الانهيار الذي تعيشه الدولة، ستفرضان على “حزب الله” لتجديد دوره تغييراً في ادواته، ولعل التحدي الابرز امامه هو كيف سيتخفف من الفساد، ويفرض نفسه طرفاً فعلياً في عملية الاصلاح طالما انه محاط كما يقول محازبوه بحلفاء فاسدين؟
هل “الثنائية الشيعية” التي شكلت غطاء لمغامرات “حزب الله” وتمدده لم تزل مؤهلة للاستمرار للمرحلة المقبلة؟ وهل يمكن لحزب الله ان يقنع اللبنانيين بوظيفته الجديدة الاصلاحية من دون ان يقوم بتضحيات تعكس اصراره على مكافحة الفساد؟ قد تكون هذه الاسئلة غير واردة في ذهن “حزب الله”، وقد يذهب نحو خيارات اخرى، غير ان الالتفاف على معركة تحجيم الفساد او تقويضه، هو بالضرورة سيكون نهاية مأسوية ليس للبنان فحسب بل لـ”حزب الله” نفسه.