إذا نجحَ النواب والوزراء اليوم في الوصول الى ساحة النجمة، فستكون الحكومة الجديدة أمام أول اختبار لرؤيتها الاقتصادية. فهل يطلب الرئيس حسان دياب استرداد موازنة حكومة الرئيس السابق سعد الحريري أم يتبنّى تنفيذ سياسة تُشكل امتداداً لنهج مالي – اقتصادي رفضه الشارع وأدخل البلاد في الانهيار؟
على وقع «غضبة» الشارع الذي قرّر محاصرة مجلس النواب، ستكون البلاد اليوم على موعِد مع جلسة لم يشهدها لبنان في تاريخه. فبعدَ أن أصرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري على عقد جلسة لمناقشة موازنة العام 2020، ستمثُل حكومة الرئيس حسّان دياب غير مكتملة الصلاحية بسبب عدم نيلها ثقة المجلس بعد، لتتبنى تركة حكومة الرئيس السابِق سعد الحريري، أي مشروع قانون الموازنة.
حتى ساعات الليل المتأخرة، كانَ لا يزال الجدال بشأن دستورية الجلسة قائماً، وكانت هناك آراء كثيرة حول إشكالية حضور حكومة دياب، لكونها ليسَت هي من قدّم الموازنة في المجلس، وبالتالي لا يُمكن أن تكون في موقع المسؤول عمّا تضمنته من أرقام، أو تنفيذ السياسات التي وعدت بها. كذلك أطلِقَت السهام على موقف رئيس المجلس وإصراره على عقد الجلسة وعدم تأجليها الى ما بعد جلسة الثقة، علماً بأن ما قامَ به برّي، على حد وصف مصادره، لا يعدو كونه تطبيقاً للدستور الذي يلزمه بإرسال الموازنة الى الهيئة العامة، تفادياً للعودة الى الصرف على قاعدة الإثني عشرية، علماً بأن هذا الأمر سبقَ أن حصل في شهر كانون الثاني 2019، حينَ حسمت هيئة مكتب مجلس النواب موقفها بشأن ضرورة إقرار قانون يجيز للحكومة الصرف والجباية على أساس القاعدة الإثني عشرية، بصرف النظر عن تأليف الحكومة من عدمه.
لكن بعيداً عن دستورية الجلسة، التي لا يوجد أن نصّ قانوني يمنع عقدها، فإنها أظهرت انطلاقة حكومة دياب بـ«دعسة» ناقصة، لكون رئيس الحكومة يريد أن يبدأ من حيث انتهى سلفه والالتزام بموازنة تُشكل امتداداً لنهج مالي – اقتصادي أوصل البلاد إلى الانهيار ورفضَه الشارع وانفجر في وجهه. فحكومة دياب قرّرت أن لا تخطو أي خطوة في اتجاه الموازنة بذريعة أنها لا تملك الصلاحية، مع العلم بأنه لا يوجد أي نص واضح يحول دون طلبها استرداد الموازنة لإدخال تعديلات عليها.
لكن رئيس الحكومة، وعوضاً عن ذلك، قرّر المشاركة في الجلسة التشريعية مع عدد من وزراء حكومته، من دون إبداء أي رأي في مشروع الموازنة، ومن دون الدفاع عنها، مُتجاهلاً أنه رئيس للحكومة، وإن لم تنَل حكومته الثقة بعد، لكنه مسؤول عن السياسة التنفيذية والإنفاق، وفقَ «الإجازة» التي سيمنحها البرلمان لمجلس الوزراء في قانون الموازنة.
وفي هذا الإطار، اعتبر رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميّل أنّ «جلسة مجلس النواب تعتريها مخالفات دستورية، فالحكومة الجديدة لم تأخذ الثقة ولا يحقّ لها المثول أمام البرلمان، وهي لم تطّلع على الموازنة القديمة ولا يحقّ لها أن تتبنّاها قبل نيل ثقة المجلس». أما الغريب فكانَ ما كشفه قائلاً «وصلتنا إلى البرلمان ثلاث أوراق بُلّغنا أنّها فذلكة أرسلها الوزير غازي وزني، لكن لا يحقّ له أن يُرسل شيئاً قبل أن تأخذ الحكومة الثقة وتجتمع وتتبنّى الموازنة القديمة وتصوّت عليها». وبينما نفى وزني أن يكون قد أرسل فذلكة جديدة الى مجلس النواب أو أي نص آخر له علاقة بالموازنة، مؤكداً أنها موازنة الحكومة السابقة، سأل الجميّل: «مَن أرسل الأوراق التي تتبنّى باسم الحكومة الجديدة موازنة الحكومة القديمة؟ هل هناك أشباح في المجلس تُرسِل أوراقاً للنواب؟». وحتى ليل أمس، لم تتّضحِ الجهة التي أرسلت الأوراق، خاصة أنها ليسَت موقّعة من أي مصدر، ولم تقُم أي جهة بالتالي بتبنيها!
وفيما أعلن كل من «الكتائب» و«القوات اللبنانية» مقاطعة الجلسة، أكد رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان في حديث إلى «أم تي في» أن المادة 69 من الدستور واضحة لجهة دستورية انعقاد جلسة إقرار الموازنة وتنص بحرفيتها على أنه «عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، يُصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة»، مشيراً الى أن «لا اجتهاد أو لبس بعد هذا النص، والمجلس بصلاحيات مطلقة للتشريع وغير مقيّد في ضوء حكومة تصريف أعمال، أما قرار تحديد موعد الجلسة فيعود لرئيس المجلس النيابي وهذه صلاحيته بحسب النظام الداخلي».
في ظل هذا النقاش، تبقى الأنظار متجهة إلى إمكانية وصول النواب والوزراء الى ساحة النجمة، مع إصرار المتظاهرين على منع انعقاد الجلسة على غرار ما حصل في 19 تشرين الثاني الماضي. وهو ما يبدو أصعب من المرة السابقة، مع تحويل وسط بيروت الى ما يُشبه منطقة عسكرية معزولة بالجدران ومكعبات الإسمنت والأسلاك الشائكة. وفي هذا الإطار علمت «الأخبار» أن قائد الجيش العماد جوزف عون وعد الرئيس بري بتأمين إبقاء الطرقات مفتوحة، كذلك ستكون العين على الحضور النيابي، وإمكان أن تتمدّد المقاطعة إلى خارج «الكتائب» و«القوات» وبعض النواب «المستقلين».