كتب رمال جوني في صحيفة “نداء الوطن”:
يوماً بعد يوم تتوسع رقعة الفقر في قرى النبطية. الكثير من المواطنين باتوا بلا مورد شهري، جلّهم من أصحاب المصالح الخاصة: “حدادة وبويا”، “نجار باطون”، “ميكانيكي”، وغيرها من المصالح التي تضررت بشكل كبير بفعل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان.
وزاد الطين بلة ارتفاع أسعار السلع بشكل جنوني، ما أدى الى توقف حركة البيع والشراء بنسبة كبيرة في المنطقة. فالناس لم يعد بمقدورها شراء أبسط المقومات الحياتية، ما يضعها بين فكي كماشة التسول الذي زادت نسبته، فيما يعتمد البعض على الحصص الغذائية التي توزع. لم يعد بمقدور الأهل دفع “خرجية” أبنائهم للتوجه الى المدرسة، وراح العديد منهم يشكو من ارتفاع أسعار الدكاكين الموجودة في المدارس. اذ يضطر الطالب الى دفع 500 ليرة ثمن “البونجوس” و2000 ليرة ثمن “المنقوشة”، ناهيك عن زيادة 250 و500 ليرة على كل السلع الأخرى، الأمر الذي دفع بعدد من الأهالي لرفع الصوت عالياً.
لـ”أبو حسن” ثلاثة أبناء يدرسون في احدى المدارس الرسمية في منطقة النبطية، يقول “لم يكن ينقصني الا غلاء أسعار دكان المدرسة، منذ أشهر وأنا بلا عمل، ولا قبضت أي قرش، أحاول قدر المستطاع أن أؤمن مصروف الأولاد للمدرسة ولكن مع هذا الغلاء أعجز، لا يمكنني دفع 10 آلاف ليرة يومياً مصروف وأنا بلا عمل”.
المشكلة برأي أولياء الامر هي غياب الرقابة على هذه الدكاكين التي للأسف تستغل الطلاب لتحقيق الأرباح، رغم ادراكهم جيداً بالحال الصعبة التي تصيب الأهل. وفق “أم فادي” فإن المسؤولية تترتب على مدراء المدارس الذين يسمحون بهذا الغلاء ولا يضعون ضوابط للأسعار، وهم انفسهم يعلمون أن الناس يلجأون للمدرسة الرسمية لضعف امكانياتهم. ويطالب الأهالي المدراء بالتدخل للجم جشع أصحاب الدكاكين، لأنه وفق فاطمة “لم يعد لدينا ما نعطيه لأولادنا من مصروف. يرحمونا بقا”.
ازاء تفاقم الأزمة، عاد الاهالي للوجبات المنزلية، استعاضوا عن اللحم بالبطاطا وفق أم علي: “كيلو اللحمة بيومية أبو علي، ما يدفع بنا للاستعاضة عنها بالبطاطا المسلوقة و”الكبة بندورة” و”المهروسة” وغيرها من الأطباق التقليدية. لا تنكر أم علي المرأة الخمسينية أنّ “ما أصاب الناس يذكّرها بالمجاعة، وأعادها بالذاكرة إلى أيام “الأرض والبساطة”.
ويقصد الأهالي “سوق الخضرا” في سوق النبطية الشعبي لشراء مونة الاسبوع هرباً من “اللقمة الاصطناعية” وفق سهام التي تقصد السوق أسبوعياً لشراء الخضر البلدية لاعداد “الهندباء” و”ورق السلق” والتبولة وغيرها من الأطباق التي عادت لتحتل موائد العائلات بعيدا عن اللحوم والدجاج التي تشهد ارتفاعاً في أسعارها.
جميلة هي النبطية بسوقها التجارية، لا سيما سوقها الشعبية، غير أن ازدحام السير يخنقها. ما زالت تغرق في العجقة، تخنقها السيارات وأبواقها المزعجة. لم تفلح كل الدراسات بفك أسرها. حتى خطط السير باءت بالفشل. تفاقمت المشكلة في الأيام الماضية، بات الذهاب إلى عمق المدينة يؤرق المواطن نفسه، هو الذي يركن سيارته “صف ثانٍ” ويغادر غير آبه بما يتسبب تصرفه. ربما غياب القانون أسهم بفلتان الأمر. هذا لا يعني أنّ شرطة البلدية غير حاضرة، على العكس عناصرها يتجولون في كل شوارع المدينة، الا أن اكتظاظ حركة السير فوق قدرة ضبطتهم لها.
من تمثال حسن كامل الصباح وصولاً الى ساحة السراي، مروراً بشوارع السوق التجارية، تكاد أن تتوقف حركة السير. وما زاد تعقيد المشكلة هو غياب مواقف السيارات، واذا ما وجدت، فهي صغيرة نسبيا مقارنة بغيرها من المدن.
بدأت المشكلة تتزايد وراحت أصوات التجار تعلو، ولكن على من تقرأ المزامير، فلا حلول في الأفق رغم الكثير من الدراسات التي تطرح العلاج ولكن العبرة في التطبيق.