كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لم يجد معارضو حكومة حسّان دياب والمحتجون عليها، في سجّل وزير الداخلية الجديد محمد فهمي، أي ارتكابات قد تدرجه على “اللائحة السوداء”، أو “يعيّروه” بها، سوى رئاسته فرع الأمن العسكري في الجيش اللبناني من العام 1997 ولغاية العام 2006، وتحديداً خلال ولاية الرئيس السابق اميل لحود. “تهمته” الوحيدة أنّه كان يترأس فرعاً أمنياً دقيق المهمة خلال فترة الوصاية السورية. أغفل هؤلاء واقع أنّ معظم الطبقة السياسية كانت تحكم خلال تلك الفترة.
فتمّ التصويب عليه من زاوية “تبعيته” لمنظومة الوصاية، بشكل رفع من منسوب الحذر والخشية على “أمّ الوزارات” التي لـ”تيار المستقبل” رقعة كبيرة من النفوذ في أروقتها وأذرعتها الأمنية. ولهذا مثلاً، سارع فهمي إلى “طمأنة” مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان واصفاً أداءه بأنّه كان مميزاً، ومؤكداً أنّه “لن تتم إقالته بل سنتعامل سوياً لنمرّ بالأزمة”، خصوصاً وأنّ تسمية فهمي لـ”الداخلية”، تلبي عنوان “التكنوقراط” في الشكل، لكنها في العمق تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول المسار الأمني للحكومة.
لم يشفع “صيت” الضابط المتقاعد في المؤسسة العسكرية في التخفيف من وطأة الدور الأمني الذي يثقل سيرته ومسيرته. العديد من “رفاق السلاح” يشيدون بمناقبيته وكفاءته وتهذيبه وذكائه. يجزم كثر أنّه خرج من السلك كما دخله، من دون أن تلوثه لوثة الفساد، أو المظلومية تجاه “رفاقه”، مع أنّه تولى منصباً بالغ الحساسية. ومع ذلك، بقي التركيز في مكان آخر.
يضيف كُثر أنّ وقع اسم فهمي على “رفاقه”، إيجابي، إن لناحية لباقته الاجتماعية أو رفضه المنطق الطائفي والمذهبي لدرجة أنّ العديد من الضباط لم يتعرفوا إلى انتمائه إلّا مع إعلان التشكيلة الحكومية. ثمة إجماع بين معارفه على عنصرين طبعا مسيرته العسكرية: دماثة أخلاقه وحزمه في احترام العمل المؤسساتي وتنفيذ القانون.
يقول هؤلاء إنّ “الكبسة” التي نفّذها وزير الداخلية الجديد منذ أيام، مفاجئاً الضباط والموظفين خلال جولة قام بها في الثامنة صباحاً بعدما حضر الى الوزارة في السابعة والثلث وأعطى أوامره بالالتزام بدوام ساعات العمل من الثامنة وحتى الثالثة والنصف من بعد الظهر، ليست غريبة على أطواره. ومن يعرفه جيداً، يجزم بأنّها ليست “بروباغاندا دخوله”، لا بل هذا نمط عمله الذي سيلازمه طوال ولايته. هو رجل مدمن على العمل، وهذا أول عوارض إدمانه.
رغم ذلك، أعادت العلاقة التي تجمع فهمي بالنائب جميل السيّد والتي يتردد أنّها كانت السبب وراء ترفيع العميد المتقاعد إلى رتبة وزير، هواجس “انبعاث شبح” النظام الأمني اللبناني – السوري من جديد، ليحيط بالتركيبة الحكومية المولودة حديثاً، أقله من جانب معارضي الحكومة التي، وإن تعدد اختصاصيوها، تبقى حكومة اللون الواحد. وهنا مصدر القلق.
وحتى لو تبدّدت هذه الهواجس، فلا يمكن تجاوز واقع مفاده أنّ مبنى الصنائع يشهد انقلاباً. تجربة ريّا الحسن في وزارة الداخلية بدت أشبه بـ”الـسباحة عكس التيار”. حاولت السيدة الآتية من عالم الأرقام والمال، “أنسنة” وزارة الداخيلة وترك بصمة متميزة في وزارة النفوذ والسلطة خلفاً للنائب نهاد المشنوق “السنيّ سكّر زيادة” والذي كان عنوان مرحلته “الأمن السياسي”. حتى أنّ الأخير أشاد في حزيران الماضي بالحسن، مشيراً إلى أنّ “أنسنة وزارة الداخلية عنوان يليق بالوزيرة ريا الحسن، وهي الأفضل، بين مزدوجين، حتى قبل مرور 3 سنوات على توليها الوزارة”.
مع محمد فهمي، عادت “خلطة الأمني والسياسي” إلى تركيبة الممسك بقرار “الداخلية”، ولكن هذه المرة مع ضابط أمضى معظم حياته العسكرية في الميدان الأمني. تجربة هي الأولى من نوعها في وزارة الداخلية قد لا تمرّ مرور الكرام، خصوصاً وأنّ الأزمات المعقدة التي تواجهها الحكومة تطرح تحدياً أمنياً غير مسبوق دفعت الحسن ثمنه في آخر أيامها في الصنائع بفعل الظروف الصعبة التي واجهتها، وحالت دون الحكم على ولايتها الوزارية بموضوعية ودقة.
فقد تجاهل “الثوار” والمعارضون كل محاولات الوزيرة السابقة لتجميل كرسي الصنائع ونزع الصبغة الأمنية عنها، لكن التطورات الميدانية أطاحت بكل جهودها وقدمتها ذبيحة على طبق إفراط القوى الأمنية في استخدام العنف ليلة “اجتياح الحمرا”.
مع جلوس ضابط متقاعد على كرسي الصنائع، عادت الأولوية للبعد الأمني. وهذا ما يفسر انتشار أخبار حول نية القوى الأمنية تفكيك “الخلايا الاحتجاجية” التي تحتضنها ساحات الاعتراض في بيروت وطرابلس.
ابن بيروت، يقول عنه رفاقه القدامى إنه ليس من طينة اللاهثين وراء السلطة. لم يبد يوماً أي طموح سياسي، ومع ذلك بلغه في عامه الثاني والستين.