أثار تصويت نواب عن كتلة تيار المستقبل ضد موازنة 2020، التي أعدّتها حكومة سعد الحريري قبل أن يستقيل تحت ضغط الاحتجاجات، جدلا وعلامات استفهام حول موقف تيار المستقبل، وزعيمه سعد الحريري، من الوضع المستجد.
لم يجعل الحريري، الذي اتخذ موقفا مناقضا لتهديدات أمين عام حزب الله حسن نصرالله، بمحاكمة أي مسؤول حكومي مستقيل بالذهاب إلى تقديم استقالته، من هذه الاستقالة مناسبة لتحوّل سلبي في علاقات تيار المستقبل بالحزب، فيما أحدث الأمر، بالمقابل، تحوّلا شديد السلبية في علاقة الحريري وفريقه برئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل وحزبه التيار الوطني الحر.
ويبدو أن الحريري ما زال منسجما مع ما سبق أن أعلنه، في الولايات المتحدة والإمارات خلال زيارته للبلدين قبل أشهر، حين اعتبر أن سلاح حزب الله هو مشكلة إقليمية وليست لبنانية، وبالتالي فإنه ما زال متموضعا داخل التسوية السياسية التي تؤمن حدودا دنيا من الشراكة بين تيار المستقبل وحزب الله.
ويدعو مراقبون إلى تأمل أداء تيار المستقبل منذ تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة. ويقول هؤلاء إن منابر التيار وقواعده تحركوا في الأيام الأولى بكثافة من خلال وسائل الإعلام ومن خلال التحركات الشعبية للاعتراض على ما أثمرت عنه الاستشارات النيابية من تعويم مفاجئ لشخصية سياسية خلفية لتبوّء الموقع السياسي الأول للطائفة السنية في لبنان.
عدم تصويت المستقبل على الموازنة بحجة أنها تقادمت لم يكن إلا للعودة إلى داخل العملية السياسية التي يمسك بها حزب الله
وتكشف أوساط سياسية أن معطيات متعددة المصادر توفرت للحريري خلال الأيام التي تلت تكليف دياب جعلته أكثر هدوءا وحنكة في مقاربة الحدث. وتناهى إلى مسامع زعيم تيار المستقبل أن تشكيل الحكومة، وبرئاسة دياب، بات مطلوبا من العواصم الدولية، وأن تلك العواصم لا تخفي ذلك وهي ما برحت تكرر من خلال باريس وواشنطن ومنظمة الأمم المتحدة، على الأقل، بضرورة العمل على تشكيل حكومة في لبنان.
كما أدرك الحريري أن “صمود” دياب أمام الضغوط الشرسة التي مورست ضده من قبل بارونات السياسة في البلد، لاسيما عون وباسيل وزعيم حركة أمل نبيه بري، لا يعود إلى طباع يمتلكها الرجل بقدر إدراكه لدعم في مهامّه تعبر عنه الجهات الدولية الكبرى.
وقالت معلومات في هذا الشأن إن الحريري وجّه تياره باتجاه عدم عرقلة ولادة الحكومة وعدم عرقلة ما يسهل انطلاقها، حتى أن الحريري نفسه رفض تفعيل حكومة تصريف الأعمال التي كان يترأسها لصالح الدعوة إلى تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت.
وتوضح المعلومات أن التيار سارع إلى سحب أنصاره من الشارع، خصوصا أن متظاهرين قادمين من شمال لبنان ومن البقاع ومحسوبين على التيار اتهموا بالقيام بأعمال تخريب داخل الوسط التجاري في بيروت الذي يعتبر أيقونة إنجازات الرئيس الراحل رفيق الحريري مؤسس تيار المستقبل، ما اضطر الحريري والمستقبل إلى التبرّؤ من هذه الأعمال ومرتكبيها.
وتلفت مصادر برلمانية إلى أن حضور نواب تيار المستقبل هو الذي وفر نصابا قانونيا لجلسة مناقشة موازنة 2020 الإثنين، بما يشي بقرار تسهيل عمل دياب الذي حضر الجلسة بمفرده ممثلا لحكومته وسط جدل حول شرعية وجوده ممثلا لحكومة لم تنل ثقة مجلس النواب.
ويبدو أن عدم تصويت المستقبل على الموازنة بحجة أنها تقادمت بعد حراك 17 أكتوبر، لم يكن إلا للعودة إلى داخل العملية السياسية التي يمسك بها حزب الله.
أدرك الحريري أن “صمود” دياب أمام الضغوط الشرسة التي مورست ضده من قبل بارونات السياسة في البلد، لاسيما عون وباسيل وزعيم حركة أمل نبيه بري
وما زالت بعض الأوساط داخل تيار المستقبل ترى أن حكومة دياب مؤقتة وفرضت ولادتها، حتى من قبل حزب الله، بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وأن مستجدات داخلية وإقليمية ودولية أخرى ستفرض رحيل هذه الحكومة وعودة الحريري إلى موقعه. وتضيف الأوساط أن الحريري الذي جاهر بما يشبه القطيعة مع رئيس الجمهورية وصهره، يعوّل على إعادة تفعيل الشراكة مع حزب الله لاحقا وسيتجنب أي صدام مباشر معه.
وترى مصادر دبلوماسية أن الحريري أراد من خلال الاستقالة قلب الطاولة المحلية والدولية، وكسب تأييد وتعاطف الداخل والخارج، كما أنه كان يسعى إلى تبييض صفحته نسبيا أمام الحراك الشعبي.
وكان الحريري أدرك أن عدم التمسك بعودته إلى موقع رئاسة الحكومة وعدم الاستجابة لشروطه ليس داخليا بل خارجيا. واستنتج الحريري وتيار المستقبل من موقف حزب القوات اللبنانية، بزعامة سمير جعجع، في الامتناع عن تسميته لتأليف الحكومة، تعبيرا عن مزاج أميركي فرنسي سعودي في هذا الصدد.
ولم يصدر عن الرياض ما يُفهم منه دعم للحريري بعد استقالته، كما أن اتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيس عون وإعرابه عن دعم فرنسا للبنان بعد تشكيل حكومة دياب، جاء أثناء تواجد الحريري في باريس بما فهم أن فرنسا ستتعامل بإيجابية وانفتاح مع مرحلة ما بعد الحريري.
ويطرح غياب الحريري عن السعودية أسئلة حول طبيعة علاقاته مع الرياض، خصوصا أن في الأمر ما يروّج لتوتّر في موقف الرياض من زعيم المستقبل، على الرغم من أنه لم يصدر عن العاصمة السعودية أي موقف إيجابي أو سلبي من حكومة خلفه حسان دياب.