كتب أحمد الأيوبي في صحيفة “اللواء”:
ليس المقصود من فتح هذا الملف التدخل في الشؤون الشخصية لآل الحريري، ولا التشهير أو الإنتقاص، ولا البناء على السلبيات في المقاربة، بل المقصود تقديم مادةٍ سياسية وإعلامية شفافة وموضوعية، حول قضية تعني اللبنانيين والسُنة، لأن تيار المستقبل ليس شركة خاصة، بل هو مؤسسة سياسية تمثل شريحة واسعة من الشعب، وهؤلاء معنيون بمسارها ومصيرها.
بدا لافتاً أن رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل أطلق نقاشاً حاداً حول حقيقة الأوضاع داخل تيار صديقه الرئيس سعد الحريري عندما وصف تيار المستقبل بأنه «كمركب صغير يتخبط في المياه ولا يعرف الى أين ستقذفه المياه». وقد جاء هذا التوصيف في توقيتٍ غير متوقـّع في السياق السياسي العام، لكنه في الواقع يأتي بالتوازي مع تعاظم الأسئلة عن صحة التيار الأزرق وعن الوعود القديمة الجديدة بإطلاق ورشة إصلاحٍ داخلية توقف التدهور المتسارع وتضع قواعد السلوك السياسي في مرحلة ما بعد الخروج من السلطة.
وبغضّ النظر عن الردّ السريع للنائب رلى الطبش التي غرفت من معين تبييض الصفحات ولجأت إلى عبارات الإطناب والمديح في وصف قيادة التيار بأنها «قيادة حكيمة اعتادت على مواجهة الأعاصير وتخطيها بسلام»، إلاّ أن هذا التغليف الدعائي لا يلغي إدراك العارفين بشؤون التيار أنه يعاني محنةً مفصليّة تضعه على قارعة طرُق التحوّلات وتصيبه مقتلاً تحت وطأة الصراعات التي بلغت أعلى الهرم بحيث كُسرت الجِرار وأحرق أطراف الأزمة سفنهم وباتوا في وضعية المواجهة المحتومة.
في المقابل، بدا باسيل في كلامه وكأنه على علمٍ وتواصل حول هذا الملف، وكمن يريد استدراج النقاش حول أوضاع تيار المستقبل الداخلية، ربما لتحريك الركود، وهو الذي يحتاج إلى إعادة إحياء أيّ شكلٍ من أشكال التعاون مع تيار المستقبل في هذه المرحلة الصعبة من التطورات المحلية والإقليمية.. خاصة بعد أن شاهد اللبنانيون أن التيار وكتلته النيابية شهدا سلوكاً متصدّعاً ومتناقضاً لدرجةٍ أصابت أكثر العارفين به بالحيرة والدهشة، وخاصة في ما يتعلّق بالمشاركة في جلسة مناقشة الموازنة، والتي بدا فيها النواب الزرق وكأنهم فعلاً في مركبٍ بلا رُبـّان.
مؤشرات التصدّع
الإشارة الأوضح جاءت من النائب سمير الجسر الذي انسحب من جلسة مناقشة موازنة 2020 لإعتباره بأنها غير دستورية، قائلاً إنه «بقي فقط ليستمع إلى ما قاله زميله هادي حبيش وأن باقي أعضاء كتلة المستقبل هم يقررون ما هي خطواتهم».
لم ينتبه الكثيرون إلى العبارة الأخيرة لأن الانشغال الأكبر كان بما يجري في مجلس النواب وبحضور رئيس الحكومة حسان دياب إلى المجلس بدون وزرائه، وبدستورية الجلسة أو عدم دستوريتها، وعن حقيقة أسباب مشاركة نواب المستقبل فيها، لكن الواضح أن الجسر كان يرسل ما يشبه صرخة الإنذار بأن السفينة ليس فيها قبطان، بدليل قوله أن باقي أعضاء الكتلة هم «يقرّرون ما هي خطواتهم»، وكأنه ليس هناك قرارٌ مركزي ولا رؤية محدّدة للموقف، وأن النواب متروكون لقراراتهم الفردية والخاصة.
الأزمة الممتدة.. والتخلي عن الحريري
ولا تقتصر المؤشرات السلبية على «حادثة» مجلس النواب، بل إن المتصارعين في تيار المستقبل يجمعون على أنه يعاني من حالة جمود وتكلّس مزمن، ومن عجز عن المبادرة السياسية والإجتماعية، بحيث عجز التيار عن استثمار وجوده في الدولة خلال ولايتي الحكومتين الأخيرتين اللتين ترأسهما سعد الحريري، واعترفت الوزيرة ريا الحسن بلجوئها إلى الاستنساب في التعاطي مع الجمعيات، فضاعت فرصةٌ جديّة لاستعادة التوازن، بسبب الصراعات الداخلية من جهة، والتنازلات المفرطة أمام «الصديق جبران» وبقية الأفرقاء من جهة ثانية.
كان لافتاً أنه منذ الإنتخابات النيابية الأخيرة كانت حركة نواب تيار المستقبل شبه معدومة، وزاد الغيابُ وطأةً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إلى أن حصل «تبخـّر سياسي» لمعظم هؤلاء النواب مع اندلاع الثورة.. وطوال فترة أزمة استقالة الحريري الأخيرة، كان هناك غيابٌ شبه تام للنواب ولمنسقي المناطق الذين أصابهم بدورهم «الخرس السياسي» حتى في الدفاع عن رئيسهم المستقيل، وهذا يطرح علامات استفهام كبرى حول مواقع القرار في التيار، وكيف يمكن لحزبٍ أن يترك رئيسه وحيداً في مواجهةٍ مصيرية مثل تلك التي واجهها الحريري بعد استقالته الأخيرة من دون الذّود عنه في الشارع وفي السياسة.. ما الذي يمنع النواب والمنسّقين من التحرك دفاعاً عن سعد الحريري؟ هل هو العجز وقلّة الحيلة.. أم أنها الصراعات والحسابات الداخلية؟؟
خلاف يكبر.. من المسؤول؟
الإشكالية المضمرة المعلنة في الوضع القيادي لتيار المستقبل، هي الخلاف المندلع على أشدّه بين الرئيس سعد الحريري والأمين العام لتياره، ابن عمته أحمد الحريري. وقد تدرّج هذا الخلاف منذ الإنتخابات النيابية ثم الفرعية، وما تلاها من استحقاقات، كان الرئيس الحريري يراكم خلالها معطياتٍ سلبية عن أداء أحمد وعن صرف الأموال الإنتخابية مقابل نتائج هزيلة في طرابلس والكورة والبقاع وغيرها من المناطق، في حين يرى الطرف الآخر أن المسؤولية تقع أيضاً على الأداء السياسي في الحكم وغياب الخطاب السياسي والإستقطابي، والعجز عن استثمار الوجود في الدولة، وهذه من مسؤوليات الرئيس.
مصالحة مع بهاء
تشغل السيدة بهية موقع رئيسة كتلة نواب تيار المستقبل. لكنها في الجلسة النيابية لمناقشة الموازنة كانت حاضرة، ومع ذلك قال النائب سمير الجسر إنه «بقي فقط ليستمع إلى ما قاله زميله هادي حبيش وأن باقي أعضاء كتلة المستقبل هم يقررون ما هي خطواتهم»، وكأن رئيسة الكتلة لم تكن موجودة، بل وكأن النواب باتوا بلا مرجعية.
أما التنظيم السياسي للتيار الأزرق، فإنه بات في آخر الأولويات، وربما اتضح الآن سبب البطء في خطوات المحاسبة والتجديد الداخلية.
وفي خطوةٍ عملية تستهدف تحصين وضعها، أعادت السيدة بهية التواصل مع السيد بهاء الحريري بعد انقطاعٍ طويل، بالتوازي مع نشر بهاء صورة على حساب زوجته على تطبيق «أنستغرام» متضامناً مع الثوار بعد تعرضهم لحملة استهداف لعيونهم من قبل قوّة مكافحة الشغب في قوى الأمن الداخلي.
التداعيات المحلية والخارجية
لن يطول الوقت حتى تدرك القوى السياسية المحلية والدولية عمق الأزمة في تيار المستقبل، وهذا سيكون له تداعياته على التحالفات والتوجهات، مع تعاظم الأسئلة عن مصير كتلة النواب وكيف سيتصرّف أعضاؤها، في ظل التجربة الأخيرة في جلسة الموازنة، وهل غياب الرئيس الحريري الطويل في الخارج هو أحد أشكال الأزمة الراهنة داخل التيار والعائلة؟