كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
الأرجح، إنّها المرة الأولى منذ وقوع البلاد في مستنقع الخلاف العمودي بين 8 و14 آذار والذي تكرس بعد العام 2005، تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي لا يستأثر فيها النقاش حول الشق السياسي للبيان الوزاري، بالاهتمام الذي تحوّل بشكل كلي نحو الجانب الاقتصادي- المالي.
قد يحسد البعض حكومة حسّان دياب على ترف هدوء بركان التوتر السياسي بين محوري الاصطفاف، ولكنها على الأكيد لن تجد من يحسدها على “مصابها الأليم” الناجم عن الأزمة الاقتصادية وتداعياتها البشعة، التي تدفع اللبنانيين إلى مقاومة مصيرهم باللحم الحيّ.
ولهذا ينصبّ الاهتمام في اللجنة المكلفة صياغة البيان الوزاري على الشق المتصل بأسباب هذه الأزمة، وتجلياتها. وتضمّ اللجنة التي يترأسها دياب، نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينه عكر والوزراء: دميانوس قطار، ناصيف حتي، غازي وزني، راوول نعمة، عماد حب الله، رمزي مشرفية، طلال حواط، ماري كلود نجم، منال عبد الصمد وفارتينيه أوهانيان.
وتقول مصادر مطلعة إنّ اللجنة لم تنته بعد من صياغة البيان ولو أنّها قطعت شوطاً مهماً، لكنها تمنح نفسها مهلة إضافية يفترض أن تنتهي خلال الساعات المقبلة، لصياغة المسودة النهائية تمهيداً لإقرارها في مجلس الوزراء وتحديد موعد جلسات الثقة. اللافت، أنّ جلسات اللجنة تزامنت مع ورش متتالية استضافتها السراي الحكومي تهدف إلى الخروج ببيان يكون على قدر آمال اللبنانيين.
وتضيف المصادر أنّ النقاش بين أعضاء اللجنة اتّسم بالجدية والحيوية والايجابية والانفتاح، والحرص على عدم تسريب مضمون الورقة التي ستمثل على أساسها الحكومة أمام مجلس النواب، في لحظة غضب شعبي يخشى أن يتحول إلى بركان متفجر قد يخترق أسوار البرلمان، الذي تؤمن حمايته أرتال من القوى الأمنية.
وتجزم المصادر أنّ النقاش حول البيان الوزاري لم ينطلق أبداً من مسودة جاهزة، لا بل بدأت الصياغة من الصفر، حيث تولى كل وزير اقتراح الخطة التي يريدها لوزارته والانجازات التي سيسعى إلى تحقيقها، فضلاً عن المهل الزمنية التي سيلتزم بها. وقد تمّ “طبخ” الورقة بعد كتابة الشق السياسي المتصل بالعناوين الأساسية. وقد تنوّعت طبيعة السرد بين عرض للعناوين الكبيرة وبين غوص في التفاصيل التقنية، ربطاً بالبند المعني.
وقد تبيّن وفق مسار اللجنة، أنّ هناك جهداً مضاعفاً يبذله رئيس الحكومة وأعضاء اللجنة للخروج ببيان غير تقليدي يعبّر عن مهمة الحكومة غير التقليدية، من شأنه أن يترك انطباعاً جيداً في الشارع المنتفض، ويمدد مهلة السماح التي يعطيها بعض اللبنانيين لحكومة “إنقاذ البلد”، على قاعدة إنّ المكتوب قد يُقرأ من عنوانه. ولذا لا بدّ لـ”العنوان” أن يحدث صدمة إيجابية.
ولهذه الصدمة مقومات كثيرة يفترض احترامها. إذ إنّ تركيز الورقة سيكون ثلاثي الأبعاد: الشق السياسي، الشقّ الاصلاحي الذي يعتبر عنوان البيان ولذا تجوز تسميته بالبيان الإصلاحي، والشق الاقتصادي- المالي بكل تفرّعاته.
وقد حرص رئيس الحكومة على ألا يكون الشق الاقتصادي من الورقة الحكومية، نظرياً بمعنى “الحبر على ورق”. ولذا، وفي خطوة هي الأولى من نوعها، لم يسبق لأي رئيس حكومة أن فعلها، نظّم أكثر من ورشة عمل مع أصحاب الاختصاص للوقوف عند آرائهم وأفكارهم من الاقتراحات التي ستلزم الحكومة نفسها بتطبيقها. فكانت جلسات مطولة مع أصحاب الاختصاص المتصل بالشأن المالي، كذلك الأمر مع أصحاب الاختصاص من الشأنين القضائي والإداري، فيما يفترض أن يلتقي دياب اليوم وفداً من الاتحاد العمالي العام، للاستماع لما لديه من شؤون وشجون تخصّ العمال يفترض تضمينها البيان الوزاري.
وتؤكد المصادر المطلعة أنّ رئيس الحكومة يحرص أن يكون عمل حكومته نموذجياً، وليس فولكلورياً، عملاً بفكرة التكنوقراط التي تستدعي أن يكون عمل الوزراء متخصصاً. ولأن سيف الشارع مصلت فوق رقبة الحكومة، وقد يقطعها في أي لحظة، سيحاول دياب إقناع الرأي العام أنّ حكومته لن تألو جهداً في مهمتها الإنقاذية، ولذا ستنأى بنفسها عن الوعود الفضفاضة والمقاربات المبهرة للنظر، لتضع في بيانها الوزاري خطّة انقاذية عملية ذات مهل زمنية محددة، ستحرص على الالتزام بها من باب إثبات صدقيتها أمام المجتمع الدولي أولاً، والشارع اللبناني ثانياً.