كتب أنطوان الأسمر في جريدة اللواء:
لبنان سيبقى متأرجحاً سلباً عند الحافة الدنيا للاستقرار في انتظار تظهير السياق السياسي لما يجري التحضير له
أجّجت صفقة القرن الأميركية– الإسرائيلية الهواجس، لتُضاف الى الغمّ الذي يحيط اللبنانيين من كل حدب وصوب. ولم يعد مستحيلا، والحال هذه، ضمّ (أو ربط) إرهاصات الصفقة الديمغرافية والسياسية الى مجموعة الأزمات التي تغدر بهم، في مقدمها الضيق المعيشي الذي يزيد في ما خطته الازمات من تنكيل وإحباط. فسلاح التضييق المالي والاقتصادي الذي تستخدمه بجدارة الإدارة الأميركية ضد إيران، هو نفسه ما يعاني منه اللبنانيون في التوقيت الراهن، بما يتيح الاستنتاج أن سلاح العقوبات هذا المرشّح للتفاقم لبنانياً في ضوء ما يرد من معلومات عن تضييق جديد منتظر في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، هو جزء من إستراتيجية العصر الذي قال عنها وزير الخارجية مايك بومبيو إنها «الأسلوب الصحيح لإجبار (إيران) على اتخاذ قرارات صعبة»، في معرض حديثه عن «حرمانها من الأموال والثروات».
الظاهر حتى الآن أن لبنان ما زال على لائحة التصعيد الأميركي– الإيراني، على الأرجح في إنتظار أن تذهب واشنطن وطهران الى مائدة الحوار المرّ، الحوار العلقمي الذي قد تجد القيادة الإيرانية نفسها مضطرة الى خوضه وربما تجرّعه لإنقاذ ما تبقى من إقتصادها المتهالك الذي لا نقاش في انه إنسحب سلبا على مساحات تأثيرها السياسي في كل من اليمن وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين.
في المعلومات أن الإدارة الأميركية ماضية في التضييق، ليس فقط على إيران، بل خصوصا على مساحات التأثير تلك، وخصوصا لبنان المرشح لأن يكون في لائحة الدول المسماة «ملاذا للإرهاب»، وهي الخطوة النهائية قبل إعلان لبنان «دولة راعية للإرهاب»، وفقا للقانون الأميركي 22 U.S. Code § 2656f الذي يفرض على وزير الخارجية تزويد مجلس النواب ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في الثلاثين من شهر نيسان من كل عام، تقريرا مفصلا عن الدول التي تقع تحت هذا القانون.
صحيح أن هذا النقاش في شأن شمول لبنان بهذا القانون لا يزال بدائيا في أروقة الادارة الأميركية، ودون ضم لبنان الى لائحة الدول الراعية للإرهاب إعتبارات كثيرة- منها ما هو لبناني ومنها ما يرتبط بالنظرة الأوروبية الى واقع المنطقة والى الهشاشة اللبنانية، لكن النقاش في حدّ ذاته يُعدّ دليلا الى ما يعتمر واشنطن من مفاجآت قد تنتظر لبنان في الفترة المقبلة، خصوصا بعدما بات يقينا لديها أن سلاح العقوبات هو الانجع في ترويع الدول والجهات العاصية على سياستها، في ضوء نجاح تطبيق هذه الإستراتيجية إيرانيا، بما يتخطى بكثير ما إنتهت اليه الإستراتيجيات السابقة وخصوصا تلك التي إعتمدتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما والتي إنتهت الى ضرورة تأهيل ايران للانخراط في المجتمع الدولي من خلال الاتفاق النووي المعلّق راهنا، فيما تترقب إدارة ترامب نجاح إستراتيجيتها لإجبار طهران الى العودة الى مائدة المفاوضات وفق إطار جديد ومختلف كليا عن الاتفاق السابق.
بالاستناد الى التطورات الأخيرة، لا يمكن إخراج مجمل هذا التضييق الأميركي عمّا يحضّر للمنطقة في قابل الأيام. قد لا يتسنى لصفقة القرن أن تبصر النور نتيجة الاعتراض الأساسي الذي يبديه المعنيّ الأول، أي دولة فلسطين بكل أطيافها المتناحرة والمتناقضة نتيجة تعدّد الارتباطات، لكن المسار الأميركي العام، وخصوصا في حال فوز ترامب بولاية جديدة وهو المرجّح حتى الآن، ينبئ بأن لا بدّ من صفقة ما، على الأرجح أميركية– إيرانية، تعيد رسم خريطة المنطقة وفق مقتضيات ومتطلبات جديدة، عمادها الأول إعادة ترتيب التأثير الإيراني في الإقليم. وإعادة الترتيب هذه قد تعني ضماً وفرزاً جديدين لموازين القوى وللحضور الإيراني إقليمياً، بحيث تحتفظ إيران بمساحة معيّنة مقابل تنازلها عن مساحات أخرى سيكون للترتيب الأميركي الكلمة الفصل.
لذا سيبقى لبنان متأرجحا سلبا، وربما في أحسن الاحوال عند الحافة الدنيا للإستقرار، في إنتظار تظهّر السياق السياسي لما يجري التحضير له، مما يعني أن أقصى ما يمكن الحكومة الجديدة إعداد العدة اللازمة للبقاء في معدلات الاستقرار الدونيّ، عبر مجموعة من الإصلاحات مع الرهان على فترة سماح تتيح ضخّ الحد الأدنى من الأموال والمساعدات التي من شأنها الحفاظ على حال المراوحة القائمة، اي السيئ الذي نحن فيه!