كتب أنطوان فرح في صحيفة “الجمهورية”:
لماذا قد تنجح أو تفشل حكومة حسّان دياب في عملية الإنقاذ المالي والاقتصادي؟ ما هي نقاط القوة التي تستطيع ان تستند اليها ولم تكن متوفرة في الحكومات السابقة؟ وما هي نقاط الضعف التي قد تجعل منها نسخة طبق الأصل عن حكومات أخرى حاولت وفشلت؟
مع اقتراب موعد استحقاق اليوروبوند في 9 آذار المقبل، يحتدم النقاش في الحكومة وخارجها حول القرار الذي ينبغي اتخاذه، لجهة الدفع أو التخلّف، أو اعتماد حل وسط، يقضي بدفع قسم وتأجيل قسم آخر من خلال عملية «سواب».
هذا الاستحقاق على أهمية القرار الذي قد يُتخذ حياله، لا يشكّل اولوية شعبية. لكن طريقة مقاربة هذا الموضوع حيوية، لجهة رصد الاسلوب الذي ستعتمده الحكومة في معالجة الملفات المكدسّة أمامها. إذ أنّ دفع هذا الاستحقاق بالكامل في موعده، يؤدي الى استنزاف احتياطي الدولار بقيمة مليار و200 مليون دولار.
أما الامتناع عن الدفع، اي التخلّف والتعثّر، فيعني ضرورة البدء فوراً في مفاوضات لإعادة جدولة كل استحقاقات الدين بالدولار. مع الأخذ في الاعتبار، انّ مؤسسات التصنيف ستبادر الى اعتبار لبنان دولة متعثرة. وفي حال اعتماد الخيار الثالث، اي دفع قسم من الاستحقاق لحاملي السندات الأجانب، فهذا سيؤدي الى استنزاف احتياطي العملات بحوالى 500 مليون دولار، بدلاً من مليار و200 مليون دولار، على اعتبار انّ 45% من هذا الاستحقاق يحمله أجانب. لكن، ومن خلال التحذيرات المُسبقة التي أطلقتها مؤسسات التصنيف الدولية، سيتمّ خفض تصنيف لبنان الى درجة «التعثّر الانتقائي».
من خلال هذه الوقائع، يتضح انّ البلد يواجه معضلة بصرف النظر عن القرار الذي ستتخذه الحكومة حيال هذا الاستحقاق. وسيكون مطلوبا منها أن تُثبت أمرين في التعاطي مع هذا الموضوع:
أولاً- قدرتها على اتخاذ القرارات في معزلٍ عن مواقف القوى السياسية التي تدور في فلكها.
ثانيا – قدرتها على حُسن الاختيار في أول امتحان فعلي لها لاثبات جهوزيتها لمعالجة الأزمة برمّتها.
لكن السؤال الأهم، هل استطاعت الحكومة من خلال الاجتماعات التي عقدتها مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومع جمعية المصارف اللبنانية، أن تكوّن فكرة واضحة عن حقيقة الوضع المالي الذي تدور حوله علامات استفهام، ويبدو غامضاً رغم كل التصريحات المطمئنة التي يطلقها المسؤولون عن الوضع المالي وعلى رأسهم وزير المال وحاكم المركزي ورئيس جمعية المصارف؟…
كل التصريحات التي صدرت في اليومين الأخيرين بدت وكأنّها تهدف الى الطمأنة، خصوصاً لجهة سلامة الودائع وعدم وجود نيّة للاقتطاع منها (Haircut). لكن القاصي والداني يُدرك انّ هذا الملف لا يرتبط برغبة أو ارادة، بل بأمر واقع قد يحتّم قرارات من هذا النوع، شبيهة بالجراحة، حيث يضطر الطبيب الى استئصال عضو، أو قسم من عضو في جسد المريض لإنقاذ حياته.
ما يزيد منسوب القلق، رغم هذا الكم من التطمينات المحلية الصادرة حديثاً، هو الكلام المنسوب الى مُساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر، خلال زيارته الى اسرائيل. فقد أعلن من هناك «إنّّ الاقتصاد اللبناني في وضع أسوأ مما يظن البعض، حيث نعتقد أن الاحتياطات الأجنبية (العملات) أقل بكثير مما تمّ الإبلاغ عنه علناً».
هذا الكلام يعني مبدئياً، واذا استبعدنا فرضية التضليل أو التهويل، انّ الولايات المتحدة تمتلك معلومات دقيقة عن حقيقة الوضع المالي، وهذا ليس مفاجئاً. لكن المفاجأة ان تكون هذه الارقام مختلفة تماماً عن الارقام المُعلنة في لبنان. وبالتالي، فإنّ كلام شنكر في شأن الحجم الحقيقي لاحتياطي العملات الأجنبية، يعيد الى الواجهة مسألة حتمية إطلاع الحكومة على الوضع بدقّة، لكي تأتي قراراتها متماهية مع الارقام الفعلية.
ولا أحد يريد تكرار تجربة اليونان مع الاتحاد الاوروبي، من خلال اعطاء أرقام مُضخّمة أدّت في النتيجة الى الانهيار المالي. وهنا يجب أن نلاحظ انّ اتخاذ قرار دفع استحقاق 9 آذار، أو حتى قرار طلب خطة إنقاذ مستعجلة، بدلاً من البدء في برنامج اصلاحي يليه طلب المساعدة الخارجية، أو اي قرار آخر في هذا السياق، يحتاج الى شفافية مطلقة ليُبنى على الشيء مقتضاه.
من هنا، وحتى اذا كان من غير المحمود أن يتمّ كشف الحقائق الى العلن، لأسباب ترتبط بالحفاظ على الحد الأدنى من المعنويات التي يحتاجها الوضع المالي لئلا ينهار أكثر مما هو منهار، فإنّ المطلوب في المقابل، ان تعرف الحكومة الوضع كما هو، من دون أي تجميل او تمويه أو روتوش. وأخطر ما في استمرار الغموض بالنسبة الى الجهة التي تمتلك سلطة اتخاذ القرارات، انّها قد تأخذ قرارات مميتة بسبب الغموض، ولن تكون لاحقاً مسؤولة عن اخطائها، لأنّها لم تكن تعرف…
بانتظار جلاء الحقائق المالية، لا بدّ من التأكيد انّ القرارات الموجعة التي يكثر الحديث عنها، تزداد صعوبة مع الوقت، وكل دقيقة تُهدر قبل أن يبدأ الإنقاذ، يدفع ثمنها اللبنانيون وصولاً في النتيجة الى ما هو أكثر من موجع بكثير.