Site icon IMLebanon

لا حاجة لبرامج على الورق.. تكفي خطوة واحدة!

السؤال الذي يطرحه اللبنانيون، ويستولد أسئلة أخرى: هل في قدرة حكومة الرئيس حسان دياب، التي ولدت في ظروف سياسية، داخلية وإقليمية بالغة التعقيد، والمجابهات على أكثر من محور أن تحقق حلولاً مريحة للبنانيين، تسمح بـ: 1 – تخفيض سعر تبادل الدولار في الأسواق اللبنانية. 2 – وتسمح ثالثاً للمودعين باستعادة أموالهم من المصارف، بالكميات التي يرغبون بها أو يحتاجونها. 3 – وهل بإمكان المستخدمين والعمال وذوي الدخل المحدود ان يحافظوا على أعمالهم ووظائفهم، وفي الوقت نفسه أن يعودوا إلى المطاعم التي صرفتهم، والمؤسسات السياحية التي أقفلت أو تكاد، والشركات التي خفضت اعداد العاملين فيها؟ وغيرها من الأسئلة، التي تتلاقى عند القدرة على وقف الإنهيار كحد أدنى، والبدء باستعادة الثقة، مع نخبة الوزراء، الذين تواجههم تحديات هائلة في وزاراتهم، فضلاً عن إرث من التخبط وسوء الإدارة، و«الحشو الوظيفي»، والصرف المالي العشوائي، لدرجة انعدام الثقة.

يفتقد الوزراء إلى الخبرة، التي تتقدّم على سواها من العلم النظري، أو الإرادة السليمة، أو الرغبة الجامحة بالنجاح، ولكن قبل ذلك، وفوق ذلك، وبعده: ما هي الظروف المحيطة بعمل الحكومة، التي تدفعها إلى النأي عن السياسة، سواء في الداخل أو الخارج، وإحاطة نفسها بسور من عدم الظهور الإعلامي، إلَّا في حالات بعض الوزراء المعروفين، أو المستورين.

وسواء خرج البيان الوزاري، المختصر، والمكثف والحالي من الوعود البراقة، على عادة صناع البيانات الوزارية في الحكومات السالفة، وانطلق ضمن جداول زمنية للتنفيذ، وسواء أطال عمر هذه الحكومة أو قصر والمحدد قبل التكليف والتأليف، بأشهر تتراوح بين الأربعة أو الستة أشهر… وفقاً لمصادر الترويج المعروفة، والتي لا تستند إلى أية معطيات يُمكن الوثوق بها.. فإن التحديات، هي أكبر من الرغبات، أو القدرات، أو حتى الطموحات، في وقت يغضب فيه الشارع، ويطالب بعدم منح الحكومة الثقة، وكأن المشكلة هنا، في وقت لا تلوح فيه بالأفق أية بدائل، تحمل في طياتها انفراجات، من أي نوع كان..

على ان الأخطر، والأشد صعوبة، في لعبة قراءة طالع الوضع اللبناني، في مرحلة ما بعد الثقة، يتجاوز الوعود، أو الإمكانيات، أو حتى الاستعدادات، سواء أكانت هيولانية (أي في طور الكمون) أو فعلية (محققة أو قابلة للتحقق)، هي في أية ظروف تعمل الحكومة، سواء منها ما هو متعلق بالإقليم أو بالغطرسة الأميركية، أو بحسابات الداخل، التي لا بأس لو احترقت روما، ما دام ثمة أمل في إنجاز خدمة مالها..

1 – في الداخل، تمكنت الطبقة السياسية، من الإحتفاظ بتأثيراتها داخل الحكومة، والمجلس، وفي مفاصل ومؤسسات الدولة، ففريق 8 آذار، الذي عهد إلى الرئيس نبيه برّي تخريج تصوره، باستبدال أسماء بأسماء، وتوازنات بتوازنات مع التيار الوطني، ورئيسه الميداني جبران باسيل، ورئيسه المؤسس، رئيس الجمهورية ميشال عون، يقبض الآن على سدة القرار، بعدما نجح رئيس الفريق بجذب النائب السابق وليد جنبلاط، من زاوية انه «الشريك الدرزي» الأبرز في تقاسم السلطة منذ أوائل تسعينات القرن الماضي، بوزيرة محسوبة بقوة عليه، أو هو على الأقل رشحها، بعيداً عن الوجوه الحزبية، المثيرة للإشكالات والإلتباسات، على غرار ما هو حاصل مع الأفرقاء الآخرين، كـ«امل» وحزب الله، والتيار الوطني الحر، وحتى تيّار «المردة»، مع الأخذ بالإعتبار، الممثلين الحزبيين الآخرين، على ان الأمر، لم يقتصر على هذا الجذب، بل نجح أيضاً في «عقد مهادنة» مع الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، والتي يتضح مداها في الخطاب الذي سيلقيه الجمعة في 14 شباط الجاري في البيال لمناسبة الذكرى 15 لاستشهاد والده الرئيس رفيق الحريري..

والحال، تمضي حكومة دياب، محاطة بطبقة سياسية، هي المسؤولة مباشرة عن الأزمات النقدية والمالية والاجتماعية التي آلت إليها الأوضاع الداخلية، بين تبنٍ علني (الثنائي) وتعاطف حذر (التيار العوني) وصمت انتظاري (جنبلاط) ومهادنة غير مستقر (فريق الحريري).. وهذا ربما هو المأخذ الأساسي لقوى الحراك الشعبي عليها، والدعوة إلى عدم منحها الثقة..

وإذا كان التبني في الداخل يقتصر على فريق «المحور الايراني» على نحو ملموس، فإن عدم تبني المحاور العربي- الاقليمي- الدولي المناهض، ممثلاً بالخليج وبعض الأوروبيين والولايات المتحدة، يضفي مخاطر جدية على استمرار مضارب العزلة والتفرج، وانتظار المزيد من الأزمات، على مذبح ترك حكومة «حزب الله» تتهاوى، وتتخبط في الأزمات إياها، التي اطاحت بالحكومة الحريرية، التي ارتدت لبوس استعاد الثقة فإذا بالثقة تذهب بها، وبكامل النظام السياسي والمصرفي، وحتى النقدي..

 

في مرحلة الانتظار هذه، دفع دونالد ترامب، وهو المحاصر بلعنة العزل الديمقراطية، بأسوأ مشروع، استعماري، عالمي، مناهض للعرب ومصالحهم، وللفلسطينيين، وما تبقى لهم من «حقوق متواضعة» في أرض الآباء والأجداد، فضلاً عن الأردنيين والسوريين، وسائر عرب جوار فلسطين، لا سيما مصر، تحت عنوان «صفقة القرن»، التي اعطت الضوء الاخضر لإسرائيل لضم غور الأردن، وهي منطقة استراتيجية تشكّل 30٪ من مساحة الضفة الغربية، وفيها ما يتجاوز الـ200 مستوطنة، تضم 600.000 إسرائيلي، وينظر إليها القانون الدولي بأنها غير شرعية، وهي ستكون على جدول مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية، لو جاءت الدبلوماسية عكس تيّار ترامب- نتنياهو، أي بالتحالف البروتستنتي- اليهودي العالمي، لدوس مصالح العرب والمسلمين، بأقدام ثقافة «صراع الحضارات» البالية..

 

لا تقتصر الصدمة من خطة ترامب على الفلسطينيين، بل ستشمل لديها، أو هي شملت سائر العرب، لا سيما اللبنانيين والاردنيين والسوريين، وحتى المصريين، من زاوية الاضرار الماحقة التي تهدّد استقرار بلدانهم.. فلبنان الذي يحتضن على أراضيه ما لا يقل عن نصف مليون لاجئ فلسطيني، يخشى من ان تقود خطة «صفقة القرن» إلى توطين هؤلاء في بلده، الأمر الذي يحمل مخاطر جمة على الاستقرار المجتمعي والاقتصادي، فضلاً عن إضاعة حق هؤلاء بالعودة إلى منازلهم، وأراضيهم في فلسطين المحتلة..

وجه مؤتمر وزراء الخارجية العرب، الذي انعقد في القاهرة السبت الماضي صفعة دبلوماسية عربية لخطة ترامب، من زاوية الرفض المطلق، والتمسك بالقدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، وأن «لا سلام ولا خطة ولا تفاهم ولا تفاوض دون القدس» على حدّ تعبير الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

الموقف العربي، لغاية تاريخه، يُشكّل بالنسبة للبنان صمّام أمان، بإمكان البيان الوزاري ان يستند إليه، لإطلاق فعالية دبلوماسية لبنانية مناوئة للخطة، التي ترمي على أرض البلد الصغير، والمثخن بالأزمات مئات الألوف من الفلسطينيين، لاعتبار هذا البلد الوطن البديل!

وإذا كان صقور التطرف الأميركي، في الحزب الجمهوري أو اليمين عازمين على إلحاق الأذى بالاستقرار اللبناني، أو محاول المقايضة بين القبول وحلّ الأزمات النقدية والمالية، فإن لبنان المتماسك حيال الخطة العدوانية، بإمكانه الاستفادة من الرفض البريطاني والأوروبي والروسي، والعربي لحماية دبلوماسيته الساعية، إلى إبعاد مخاطر التوطين، عبر دعم الحق المشروع للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم، وبمختلف الوسائل المتاحة..

ومن شأن مظلة الإجماع الرافض لخطة ترامب- نتنياهو تحرير لبنان، أقله في الأشهر الفاصلة عن الانتخابات الأميركية من وصمة الارتماء في أحضان «المحور الايراني» مما يفتح الآفاق لتخفيف اضرار استمرار الحصار الأميركي، المالي والنقدي على لبنان.

فمن هذه الرؤية، تنتظر الأسواق الداخلية، ليس فقط ولادة البيان الوزاري، بل أبعد من ذلك، صدور تعميم حاكم المصرف المركزي، بما يتعلق بتنظيم العلاقات الثلاثية بين المصرف والمصارف والزبائن، على نحو يُخفّف من عبء ضغط الأسواق على حياة المواطنين، ويحدُّ من التكالب على التهام الدولار بأي سعر كان في السوق السوداء، فضلاً عن كبح جماح الأسعار في «السوبر ماركات» العاملة، أو في المخازن، مما يسمح بـ «تهدئة» الغليان، ليس في الشارع، بل في الجسم النقدي- المالي، ويحدّ من المخاطر المحدقة، بصرف النظر عن حجم الضغوطات الدولية على البلد، بمعزل عن حكومة، أكانت خبراء، أو اختصاصيين، أم حيادية، أو تكنو-سياسية أو أية تسمية أخرى.

وبعيداً عن وصفات الإصلاح، والاصلاحات، والفساد والمفسدين، والشفافية، وحركة الطهوريين الجدد- القدماء، فإن خطوة عملية واحدة، من شأنها ان تدفع نحو استعادة ثقة الداخل، تعادل أو تفوق قيمتها قيمة «دزينة من البرامج على الورق» (والمقاربة لماركس).. بعدها تأتي ثقة الخارج، وهي ضرورية، ولكنها ليست نهاية المطاف… في مسيرة بالغة التعقيد تحتاج إلى «التأني» وليس إلى «البولسة» على الطريقة المعهودة في بعض البلدان الفاشلة؟!