انجزت حكومة الرئيس حسان دياب البيان الوزاري (17 صفحة فولسكاب) فهو لم يأت مختصراً، بل تضمن عناوين محددة معروفة، أبرزها تبني خطة ماكنزي ومقررات مؤتمر سيدر، والتوجه للانتقال من الاقتصاد الريعي إلى المنتج، واستعادة تكاد أن تكون لفظية لمقولة حق “اللبنانيات واللبنانيين في مقاومة الاحتلال”، فضلاً عن النأي بالنفس واحسن العلاقات مع “الاشقاء العرب”، لكن الجديد مهلة زمنية لا تقل عن مائة يوم (ثلاثة اشهر)، ولا تزيد عن ثلاثة سنوات ما يقرب من “ألف يوم” لإنجاز وصفة كاملة من القوانين والبرامج والمشاريع من الخطوات المؤلمة للانقاذ المالي، بما في ذلك خفض الفوائد.
وحصلت “اللواء” على نص مسودة البيان الوزاري كاملة، بما في ذلك الإجراءات التي تضمنها وهي مجدولة على ثلاث مراحل من مائة يوم الأولى وسنة إلى ثلاث سنوات، أي بالتزامن مع نهاية عهد الرئيس ميشال عون، الذي تبنى البيان، في الجانب السياسي منه، خطاب القسم عند بدء الولاية، تماماً مثلما جاء نسخة طبق الأصل تقريباً عن البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة، والذي جرى توافق سياسي حوله في حينه بين كل المكونات والقوى السياسية، وبالتالي فلا حاجة لاجراء اتصالات جديدة وفتح نقاش جديد قد يطول في شأنه، طالما انه نال موافقة كل الأطراف أو اكثريتها العظمى، وهذا الشق يتناول مواضيع المقاومة والعلاقات مع الدول العربية ودول الجوار والسياسة الخارجية والنأي بالنفس، إلا ان الفقرة الجديدة في هذا الشق، تُشير إلى تعهد الحكومة باعداد قانون انتخابات نيابية يعكس تلاقي اللبنانيين واللبنانيات في الساحات ويحاكي تطلعاتهم”، من دون أي إشارة إلى اجراء انتخابات مبكرة، بحسب مطالب الحراك الشعبي، الذي تبنى البيان، بصورة صريحة لمطالبه سواء في استعادة الأموال المنهوبة أو استقلال القضاء ومكافحة الفساد.
واللافت في مسودة البيان الاعتراف الصريح أيضاً بأن استعادة الثقة تكون بالافعال وليس بالوعود، وإن اعتبر ان هذه الاستعادة مسارطويل يتطلب مصارحة النّاس بالحقيقة ويحتاج إلى إنجازات ملموسة، ومن هذه الزاوية يُمكن اعتبار البيان جديداً في صياغته، خصوصاً وان البيانات الوزارية السابقة كانت مليئة بالوعود والتي لم يتحقق منها شيء، ربما منذ الاستقلال.
ويرتكز البيان، الذي يقع في 17 صفحة فولسكاب، على برنامج عمل يتضمن خطة طوارئ إنقاذية وسلة إصلاحات محورها ورشة إصلاح قضائي وتشريعي ومكافحة الفساد وتصحيحات ومعالجات في المالية العامة، تواكبها إجراءات اقتصادية تحفز الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج بالإضافة إلى شبكة الأمان الاجتماعي، مقترحاً الاستعانة بالخطة الاقتصادية التي اعدها المكتب الاستشاري ماك كينزي، وتخفيض الفائدة على القروض والودائع لانعاش الاقتصاد وتخفيض كلفة الدين.
وتعهد البيان بأن تكون الحكومة مستقلة عن التجاذب السياسي، وتعتبر ان العديد من مطالب الحراك ليست فقط محقة بل هي صلب خطتها، وانها لن تسمح باستباحة المال العام أو الأملاك العامة، بما فيها المشاعات والاملاك البحرية، والالتزام بحماية حق التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي واحترام حقوق الإنسان.
وضمن خطة عمل المائة يوم، تعهدت الحكومة بإجراء الإصلاحات القضائية واستقلال القضاء، وإقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتعيين نواب حاكم مصرف لبنان وملء الشواغر في الجامعة اللبنانية وإنشاء المجلس الأعلى للتخطيط، فيما تلحظ خطة العمل من سنة إلى ثلاث سنوات، إطلاق ورشة قانونية لتحديث القوانين واسترداد الأموال المنهوبة من خلال إقرار مشروع قانون يكافئ من يُساعد في الكشف عن الجرائم التي تستهدف المال العام، كما يتعهد البيان الالتزام بما ورد من إصلاحات في الورقة التي أقرّت في مؤتمر “سيدر” واجراء إصلاحات ضريبية تعمد على تحسين الجباية ومكافحة التهريب من المعابر الشرعية وغير الشرعية والتهرب الضريبي، وإعادة هيكلة القطاع العام وخفض الدين العام، ومعالجة الأزمة النقدية والمصرفية من أجل حماية أموال المودعين، ولا سيما صغارهم في المصارف والمحافظة على سلامة النقد، واستعادة استقرار النظام المصرفي من خلال مجموعة تدابير منها إعادة رسملة المصارف ومعالجة تزايد القروض المتعثرة.
وفي موضوع الطاقة، دعت الحكومة في بيانها إلى تخفيض سقف تحويلات الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان ورفع التعرفة مع تحسين التغذية وتعيين مجلس إدارة جديد للمؤسسة وتعيين الهيئة الناظمة للقطاع، مع اعتماد الخطة التي أقرّت في مجلس الوزراء وأكدت عليها الورقة الإصلاحية للحكومة السابقة، والاسراع في اجراء دورة التراخيص الثانية في قطاعي الغاز والنفط وإقرار قانون الصندوق السيادي وقانون الشراكة الوطنية. (راجع النص الكامل ص 3).
وفي انتظار ما سوف يطرأ على النص، خلال النقاش حوله في القصر الجمهوري، وفقاً لملاحظات الوزراء، اشارت مصادر حكومية إلى ان الحكومة بدأت عملياً التحضيرات لمرحلةما بعد نيل الثقة، حيث ستقوم بورشة عمل تنفيذية كبيرة بالتعاون مع المجلس النيابي لتطبيق كل ما ورد في البيان، لا سيما لجهة الإصلاحات المطلوبة ومكافحة الفساد واستقلالية القضاء، وبما يفترض ان يرضي الشارع المنتفض على الفساد والنهب والهدر.
وفي هذا السياق، اشارت مصادر نيابية الى ان المجلس النيابي سيواكب عمل الحكومة بتشريعات ضرورية لا سيما في مجال الاصلاحات المطلوبة، وقد انجزت اللجان المشتركة مؤخرا في هذا السبيل مشروع قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وهناك عمل على موضوع استقلالية القضاء. كما سيتم العمل على الوضع المالي والنقدي لوضع اسس الحلول ولو استغرقت بعض الوقت.
لكن يبدو ان درب الحكومة لن يكون مزروعاً بالورود مع اعلان كتل “المستقبل” و”اللقاء الديمقراطي” و”القوات اللبنانية” والكتائب، عدم منح الثقة للحكومة والذهاب إلى المعارضة “المسؤولة والبناءة” بحسب تعبير نواب هذه الكتل. وإذا كانت كتلتا “المستقبل” و”اللقاء الديمقراطي” ستحضران جلسة الثقة المقررة الأسبوع المقبل، بعد عودة رئيس المجلس نبيه برّي من مؤتمر إسلامي في ماليزيا، بحسب ما تفردت “اللواء” في ذلك، فإن كتلة ”القوات” لم تقرر بعد ما إذا كانت ستشارك في مناقشة البيان الوزاري أو ستغيب عن الجلسة التي يفترض ان تعقد الثلاثاء في 10 شباط الحالي، بعد عيد القديس مارون، أو الأربعاء الذي يليه.
وستعقد كتلة اللقاء الديموقراطي اجتماعاً يوم غد الثلاثاء، ستحضره قيادات من الحزب التقدمي الاشتراكي، وصفه النائب مروان حمادة بأنه “سيكون حاسماً في تقرير الموقف وطريقة التعاطي مع الحكومة… ومع العهد ايضاً”.