في وقت تعقد اللجنة الوزارية المكلفة اعداد البيان الوزاري، جلستها، يُفترض ان تكون الاخيرة، لوضع اللمسات النهائية عليه قبل عرضه على طاولة الحكومة لاقراره، فيُرسَل بعدها الى مجلس النواب لنيل الثقة على اساسه، استوقفت نقاط عدة، وردت او لم ترد في مسودّته التي نُشرت في الساعات الماضية، المراقبين لأداء الحكومة الوليدة، وما أكثرهم، مِن المواطن العادي الذي تكويه نيران الازمة الاقتصادية والنقدية والمعيشية، وصولا الى المحللين والمراقبين الماليين والسياسيين… في مقدمته، يشير البيان العتيد الى ان “لبنان مرّ في السنوات الأخيرة بأزمات وتحديات كبيرة تراكمت حتى أوصلتنا الى أزمة مصيريّة”. وعلى قاعدة “المكتوب يُقرأ من عنوانه”، تقول مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية” ان هذه البداية غير مشجّعة. فبدل الاقرار بأن القوى السياسية التي تعاقبت على الحكم، والاجراءات والسياسات الخاطئة التي اعتمدتها السلطة، هي المسؤولة عمّا آلت اليه الاوضاع من ازدراء، جهّلت الحكومةُ الفاعل، ولجأت الى تحميل “التحديات الكبيرة” مسؤولية ما وصلنا اليه اليوم، علما ان معرفة اساس المرض والاعتراف به يشكّل “ألفباء” معالجته! لكن هل كان عاقل يتوقّع وضعا صريحا للإصبع على الجرح، من وزارة أتت بها الجهات السياسية نفسها التي أمسكت بزمام الامور في لبنان، منذ عقود؟!
بعد هذه “الانطلاقة” المتعثرة، تلفت المصادر الى ان العناوين العريضة للخطة الاقتصادية الانقاذية التي ستعتمدها الحكومة، تقليدية، وتعد بالاصلاح ومحاربة الفساد، وهو ما جاء في البيانات الوزارية السابقة كلّها دون استثناء، مع التشديد على ان دياب حرص على التوسع أكثر في هذه النقاط وأتى على ذكر شعارات تدغدغ المنتفضين من قبيل “تفعيل دور القضاء في الحرب على الفساد”، و”العمل لاستعادة الاموال المنهوبة”، ربما لامتصاص الغضب الذي ستفجّره التدابير القاسية والموجعة التي اعلن البيان ان لا بد من اتخاذها… الا ان هذه المسودة الزاخرة بالكلام الجميل، غابت عن تفنيد رؤيتها لاصلاح قطاع الكهرباء- اساس عجز الموازنة- مكتفية بتبنّي الخطة التي وضعتها الحكومات السابقة. وفي حين لم تربط نفسها بأية تواريخ واضحة لانهاء ما تتعهد به، طلبت مهلة 100 يوم كحدّ أدنى، للبدء بتلمّس نتائج الاجراءات. وهنا، تقول المصادر ان حكومة اللون الواحد، كان يفترض ان تكون اليوم بعد اكثر من شهر ونصف على تكليف رئيسها، انطلقت في ورشة الانقاذ، الا اننا نراها تطلب أشهرا اضافية! فهل يتحمّل لبنان هدرا اضافيا مكلفا للوقت؟ أم ان هذه المهلة، تريد منها احزاب السلطة حقن الثورة بجرعة مورفين مخدّرة، على أمل تنفيسها وإخمادها نهائيا مع مرور الزمن؟
سياسيا، اعتمادُ الصيغة نفسها لمقاربة ملف سلاح حزب الله والمقاومة والحياد، التي وردت في خطاب القسم والبيانات الوزارية السابقة، سيعطي عمليا، النتيجة نفسها في ما خص الموقف الدولي والعربي من بيروت، أي ان الاخير سيبقى سلبياً! فالدول المانحة تريد من لبنان اثبات حياده عن صراع المحاور من جهة والتقيد فعليا بالقرارات الدولية وعلى رأسها الـ1559 والـ1701، من جهة ثانية، لتتشجع على التعاون مع حكومة عرّابها “حزب الله” وحلفاؤه، فهل ما جاء في هذه الفقرة يكفي الدول المانحة ام يعزز اعتقادها بكون حكومة لبنان باتت قلبا وقالبا في صلب محور الممانعة ؟ اما الانتخابات النيابية المبكرة، فباتت في خبر كان. فبدل التعهد باجرائها خلال اشهر، نزولا عند رغبة المنتفضين- في موقف كان ربما كفيلا باخراج الثوار جميعهم من الشارع، فتتحول الوزارة في رأيهم حكومة انتقالية لا اكثر- هربت الحكومة الى طرح قانون انتخابي جديد، وما أدراكم ما البحث في قانون جديد، تقول المصادر! الحكومة ستنال ثقة البرلمان اذا تمكن النواب من الوصول اليه. هذا امر محسوم. لكن نجاحها في اخراج لبنان من مأزقه، محط تشكيك كبير، مبرر ومفهوم. اذ هل يُمكن لمَن “خربها” ان “يُصلحها”؟