كتبت ميسم رزق في “الاخبار”:
بالتزامن مع صدور مذكّرة أميركية داخلية تنص على تشديد الإجراءات بحق المسافرين من أصول إيرانية ولبنانية وفلسطينية، تستمر حملة التحريض على لسان مسؤولين لبنانيين ضد المغتربين المعروفين بانتمائهم إلى بيئة المقاومة.
تواصِل الولايات المتحدة الأميركية سياسة تضييق الخناق على الجالية اللبنانية في بعض المدن، خاصة تلكَ التي تضمّ عدداً كبيراً معروفاً بانتمائه إلى الطائفة الشيعية. وبعدَ اغتيال قائد «قوة القدس» الفريق قاسِم سليماني، وفي ظل المخاوف من ردود فِعل «انتقامية»، توجّت واشنطن إجراءاتها بإصدار مذكرة لسلطات الحدود الأميركية تتضمّن تعليمات باستجواب المسافرين من أصل إيراني أو لديهم روابط مع إيران. المذكرة التي كشفت عنها شبكة «سي أن أن» أظهرت أن سلطات الحدود الأميركية تلقت أوامر باستجواب المسافرين من أصل إيراني، بمن فيهم المواطنون الأميركيون. ونصّت المذكرة على «التحقيق وفحص» أي شخص مولود في إيران أو لبنان أو الأراضي الفلسطينية بينَ عامي 1961 و2001، إلى جانِب أي شخص له صلات بتلكَ البلدان والأقاليم، وشددت المذكرة على توجيه أسئلة إلى المسافرين حول العلاقات مع الجيش، وخاصة الحرس الثوري الإيراني وقوة القدس.
هذه الإجراءات التي ذكرها التعميم ليسَت جديدة. هناك الكثير من أفراد الجالية اللبنانية كانوا يعانون من قيود على حركتهم، خاصة خلال دخولهم الى الولايات المتحدة وخروجهم منها، كما أن بعضهم يخضع للمراقبة والتحقيق، بفعل الكثير من الإخبارات التي تقدّم زوراً في حقهم. معظم المعنيين بشؤون الجالية في أميركا، وعند سؤالهم عن هذه الإجراءات، يُجيبون بأنها «موجودة لكنها لا تحصل بشكل عشوائي». وهم «لا يعانون من تدابير رسمية بقدر الحملة الإعلامية التي تشنّها جهات معادية للعرب والمسلمين في أميركا». المفارقة أن صدور هذه المذكرة تزامن مع كلام للنائبة بولا يعقوبيان في مقابلتها مع برنامح «صار الوقت» على محطّة «أم تي في»، الخميس الفائت. خلال الحديث عن حكومة الرئيس حسّان دياب التي «يحمِل أكثرية وزرائها جوازات سفر أميركية»، بحسب الوزير السابِق فادي عبود (كانَ ضيفاً في الحلقة ذاتها)، علّقت يعقوبيان باستخفاف: «ما ديربورن كلها مع حزب الله…»! ومع أنها قبلَ نهاية البرنامَج حاولت استدراك الأمر بالاعتذار، مشيرة إلى أنها «لم تقصِد ما قالته، هي عنَت بكلامها أن قسماً كبيراً من المغتربين لديه ميول سياسية وهذا حقّه»، عادَت واستغربت «إنو الواحد صار لازم يعتل همّ، شو بطلت أميركا بلد حريات»!
ليس المقصود هنا الربط بين كلام يعقوبيان وإصدار المذكرة الأميركية، لكن ما قالته نائبة بيروت لا يخرج عن سياق التحريض الذي يمارسه فريق لبناني ضد فريق آخر، وهو قد خلّف استياءً كبيراً في أوساط الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة التي اعتبرت أن «حديثها مؤذٍ، ويُمكن استخدامه في أي بروباغاندا ضد الجالية التي حصرتها يعقوبيان بحزب». وبحسب معلومات «الأخبار»، ينوي بعض أبناء الجالية رفع دعوى ضد يعقوبيان في لبنان، بينما بادر عماد ياسين إلى تقديم إخبار إلى النيابة العامة التمييزية في لبنان ضد يعقوبيان «بسبب تحريضها على أبناء الجالية، وتعريضهم لخطر الملاحقة القانونية من قبل السلطات الاميركية».
وللمفارقة أيضاً، فإن مدينة ديربورن الأميركية، التي ذكرتها يعقوبيان دون سواها، شهدت في الأسابيع الماضية تقريرين على محطة «wxyz» في «ميتشيغان»، أحدهما يشير إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يعتقِد أن «هناك داعمين لحزب الله هنا، ومن لديه معلومات بهذا الخصوص عليه الاتصال بفرع المكتب في المدينة». ولفت الآخر إلى أن «حزب الله يُشكّل تهديداً للولايات المتحدة، وأن هذا التهديد يتصاعد كلما احتدمت المواجهة بين أميركا وإيران».
ناشر صحيفة «صدى الوطن» في ميتشيغان، أسامة سبلاني، اعتبر أن «كلام يعقوبيان ينمّ عن جهلٍ مدقع بألفباء السياسة، إضافة إلى عدم الاكتراث بمصالح شريحة كبيرة من اللبنانيين. فمدينة ديربورن تعتبر عاصمة العرب الاميركيين، حيث يوجد فيها أكبر تجمع لبناني اغترابي في العالم. هذه المدينة تضم أكثر من خمسين ألف لبناني، معظمهم من القرى الحدودية الجنوبية التي كانت محتلة من قبل الكيان الإسرائيلي، وقد عانوا ما عانوه إبّان الاحتلال، إلى أن لجأوا إلى هذه البلاد». وكرّر في اتصال مع «الأخبار» أن «يعقوبيان بما قالته تعطي الإعلام الاميركي مادة يستخدمها ضد اللبنانيين، خاصة في ظل الموجة العنصرية التي تمظهرت مع صعود دونالد ترامب سلّم الرئاسة، كما تعطي الأجهزة الأمنية جرعة معنوية وحججاً يستعملونها لصدّ الاعتراضات التي تبديها مؤسسات الجالية الحقوقية».
وفيما تمنّى رئيس محكمة «ديربورن»، القاضي سام سلامة، «توخّي الحذر»، لفت إلى أن «إدارة ترامب ليست بحاجة الى مساعدات إضافية تمكّنها من تشديد القيود التي تمارس في حق الأقليات بشكل عام، والعربية والإسلامية بشكل خاص». ولفت في اتصال مع «الأخبار» إلى أن «ما قالته يعقوبيان يفتقر الى المعلومات الصحيحة، ويعتبر بمثابة إخبار بحق الجالية التي يتعرض بعض أبنائها لتدقيق كبير خلال دخولهم الى الولايات المتحدة أو الخروج منها، إضافة الى الإخباريات التي يتقدم بها بعض الجهات، وهي عبارة عن افتراءات تمهّد الطريق للسلطات للدخول الى بيوت الناس والتحقيق معهم».
في الإطار نفسه، تحدث المدعي العام الفيدرالي السابق المحامي عبد حمود (مؤسس اللجنة العربية – الأميركية للعمل السياسي)، قبلَ أن يتطرق إلى وجود مجموعات يمينية متطرفة غير رسمية «دائماً ما تحرّض على الجالية، وتعتبر أن المدينة محتلة من الجالية أو من بيئة معينة ويجِب تحريرها»، ولا شكّ أن «تصريحات مثل التي قالتها يعقوبيان قد يتخذها بعض الجهات كحجة للتحرك ضدنا». أما رئيس الرابطة العربية – الأميركية للحقوق المدنية ناصر بيضون فاعتبر أن «اعتذار يعقوبيان عن كلامها جاءَ متأخراً»، لافتاً إلى أن «ما قالته يعني أنها لا تعرِف شيئاً عن الجالية الموجودة هنا».