“الاقتصاد اللبناني في وضع أسوأ مما يظن البعض، فنعتقد أن الاحتياطات الأجنبية أقل بكثير مما تم الإبلاغ عنه علنًا”. هذا التصريح “الخطير” المنسوب إلى مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، والذي يعكس دراية أميركية “دقيقة” بحقيقة اوضاع لبنان اكثر من اهل البيت انفسهم، لفت الأنظار إلى مجموعة واسعة من الأسباب، منها إطلاقه من اسرائيل، وتوقيته، إذ يأتي بعد اسبوعين تقريبا على كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي قال إن “لبنان امام ازمة مالية رهيبة في الأسابيع المقبلة”، وقبل زيارة تردد انه قد يقوم بها الى لبنان، علما أن دوائر وزارة الخارجية في لبنان أفادت “المركزية” بأن “لا موعد محددا حتى الآن لشينكر في بيروت بعد نيل الحكومة الثقة”.
على ان اللافت اكثر في كلام شينكر انه اتى من تل ابيب تحديدا اثناء زيارته وكأنه “تعمّد” اطلاقه من هناك، في وقت يرتفع منسوب الاحباط والخوف لدى اللبنانيين على مستقبلهم نتيجة قراءتهم الأرقام “المُرعبة” عن اقتصادهم وماليتهم وما ينتظرهم من ايام سود.
فماذا بين سطور التحذير الاميركي لاقتصاد لبنان من اسرائيل بالذات، لاسيما انه اتى بعد ايام من اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب خطة السلام للشرق الاوسط المعروفة بـ”صفقة القرن”، التي لاقت رفضا فلسطينيا وعربيا وحتى دوليا، لأنها لا تأخذ في الاعتبار مصالح الطرف الاخر فيها، اي الفلسطيني؟
أوساط ديبلوماسية غربية أبدت خشيتها، عبر “المركزية”، من أن “يكون كلام شينكر من اسرائيل تحديدا يُخفي وراءه شرطا اميركيا بربط مساعدة لبنان ودعمه للخروج من الضائقة المالية التي يئنّ تحتها بدعم الحكومة الجديدة “صفقة القرن” وعدم معارضتها والمساعدة على تمريرها”.
ومع أن لبنان ليس شريكا فاعلا في وضع الصفقة على سكّة التنفيذ، باعتبار ان موافقة مصر والاردن المبطّنة عليها تُشكّل ضمانة اساسية لإقناع الفلسطينيين بها، مع انه يتأثّر بها كَونه يحتضن على اراضيه قرابة نصف مليون لاجئ فلسطيني (حسب تقارير الاونروا)، الا ان الضغط الهائل الذي يتعرّض له اقتصاده وقطاعه المصرفي قد يُشكّل “فرصة” لرعاة هذه الصفقة لخوض معه لعبة الشروط من ادواتها عدم الاعتراض على خطة السلام مقابل فتح “حنفية” الدولارات لإنعاش اقتصاده المتهاوي.
وقد لحظت “صفقة القرن” مبلغ 50 مليار دولار سيكون من نصيب الفلسطينيين ومصر والأردن ولبنان لتمويل الخطة على مدى 10 سنوات من اجل تنفيذ اكثر من مئة مشروع في فلسطين والمنطقة.
ولفتت الاوساط الدسبلوماسية الغربية الى أن “الولايات المتحدة الاميركية ارادت من هذه الصفقة “رشوة” الفلسطينيين ودول عربية، منها لبنان، لتمريرها مقابل الحصول على مليارات الدولارات، وهي تُدرك انها تُمسكهم باليد التي تؤلمهم، حيث اقتصادهم يُعاني وأرقام ماليتهم تتراجع، خصوصا بالنسبة إلى لبنان”.
وتابعت الأوساط: “مع أن كل هذه الاغراءات لم تحمل العرب على القبول بـ”صفقة القرن”، بل استمروا في رفضها تحت عنوان ان العرض والكرامة والحقوق لا تُباع ولا تُشرى، كما قال الرئيس محمود عباس في اجتماع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية في القاهرة السبت، رافضا ادخال مسألة الحقوق والسلام في عملية بازار مالية وانتخابية”، متسائلةً عن “الهدف وراء توقيت اعلان الصفقة رغم الاعتراض العربي عليها حتى قبل الكشف عنها وغياب الطرف الفلسطيني عن حفل الاعلان، فهل ارادها فرصة لرفع اسهمه قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ وماذا عن حضور رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وفريقه السياسي حفل الاعلان دون سواه من المسؤولين الاسرائيليين، حيث غاب منافسه الانتخابي بني غانتس الذي كان في واشنطن وغادر من دون المشاركة؟ فهل سرّعت الانتخابات الاميركية-الاسرائيلية الكشف عنها رغم المعرفة المُسبقة برفضها عربيا وفلسطينيا”؟